الادمان هو عادة تمارس من دون قيود، فيصبح الانسان بحاجة ماسة لما هو مدمن عليه كالكحول والمخدرات. لكن هذا الادمان لم يعد بالامكان حصره بأمور متعارف عليها بين البشر، فالتطور التكنولوجي أتاح إضافة أنواع جديدة من الادمان، على غرار الادمان على الانترنت مثلا و​الواتساب​.

ترى شخصا يسير بالشارع ورأسه في هاتفه، تسلم عليه فلا ينتبه، بضع خطوات ويصطدم بسيارة متوقفة على جانب الطريق.. يفاجأ، يلملم نفسه ويكمل سيره، ومجددا ورأسه في هاتفه. سائق يقف على الاشارة الحمراء، يعينه هاتفه في قضاء الوقت، إلا أنّ الوقت يمضي والاشارة الخضراء تضيء والسائق ما زال متوقفا، والمفارقة ان السائق الذي خلفه أيضا لا ينتبه لاشارة الانطلاق فهو الآخر يدردش عبر الواتساب.

السر هنا يمكن في الواتساب الذي دخل حياة اللبناني من بابها العريض، لا بل يمكن القول انه احتلها بالقوة واصبح ادمانا يصيب من يستعمله قد يؤدي به الى "التهلكة" جسديا واجتماعيا. هو وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهاتف تتيح للمستخدم التواصل كتابيا او عبر الصور والفيديوهات مع أيّ رقم هاتف يريد سواء في لبنان او في العالم. هذه حسنة من حسناته القليلة انما الحديث عن سيئاته فحدث ولا حرج وكما يقول المثل الشعبي "الشي متى ما زاد نقص".

سبب اساسي في ​حوادث السير​ والموت..

ان حوادث السير في لبنان التي وقعت بسبب استعمال الهاتف والواتساب وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي اثناء القيادة ازدادت بشكل كبير، خصوصا بعد أن غزت الهواتف الذكية أيادي اللبنانيين. "شردت أثناء استعمالي الواتساب خلال قيادة السيارة واصطدمت بسيارة متوقفة على جانب الطريق"، بهذه الكلمات القليلة عبّر للنشرة الياس ي. عن تجربته المريرة والتي كلفته كسرا بيده اضافة لمئات الدولارات: "كان الواتساب وما زال للاسف يأخذ معظم وقتي سواء في العمل او في المنزل، انما بعد الحادث الذي وقع معي خففت قليلا من استعماله اثناء القيادة لانني ادركت عندها أنّ حياتي على المحك وكان يمكن ان تكون النتائج اصعب".

كما هو معلوم فان القانون اللبناني يمنع استعمال الهاتف اثناء القيادة، ومن يضبط ينال محضرا، إلا أنّ المواطن اللبناني على ما يبدو لا يبالي بالمحاضر إذ إنّ نسبة مستعملي الهاتف أثناء القيادة تزداد بشكل مخيف وهذا ما يجبأن يحل. في هذا الاطار قالت المواطنة سارة حمود: "نعم انا استعمل الواتساب كثيرا لكنني احاول قدر المستطاع تجنبه اثناء القيادة بسبب الخطر الذي يسببه، خصوصا وان هاتفي يعتمد على اللمس ما يزيد صعوبة استعماله اثناء القيادة"، لافتة إلى أنّ الخطر يكمن باستعمال الهاتف بشكل عام وليس فقط الواتساب.

تفكك الروابط الاجتماعية والطلاق..

من سيئات الواتساب أيضا هو ابتعاد الاقارب عن الزيارات العائلية، والاستعاضة عنها بالدردشة على الواتساب، بالاضافة لابتعاد أفراد العائلة الواحدة حتى عن السهرات المشتركة، فهم وإن جلسوا في غرفة واحدة إلا أنهم بالتأكيد ليسوا على تواصل فكري، فالجسد موجود والعقل في مكان آخر، أو كما يقول سامر: "وصل بنا الامر أن نتحدث عبر الواتساب داخل المنزل الواحد ومن غرفة إلى أخرى". هذا ناهيك عن مشكلات الأزواج جراء الواتساب والوصول الى الطلاق احيانا. يقول احمد سعد: "دخل الواتساب الى يومياتي فضاعف كمية الغيرة الموجودة لدى خطيبتي، فزادت المشاكل بيننا رغم أنني حاولت مرارا وتكرارا التخفيف من استعمال الواتساب". ويضيف سعد الذي فقد خطيبته بسبب غيرتها الزائدة عليه :"وصلنا الى الطلاق اخيرا ولم يعد لدينا امكانية الاستمرار".

إن حياة الانسان نعمة أعطانا إياها الله مرة واحدة فقط وبالتالي ما المهم أكثر؟ حياتك ام هاتفك؟ هل تعرض حياتك للخطر من اجل كتابة كلمة هنا واخرى هناك اثناء القيادة؟ هل اصبحت الروابط الاجتماعية التي يتميز بها المجتمع الشرقي عرضة للانقراض جراء وسائل التواصل الاجتماعية؟ فلنعد قليلا الى رشدنا ولننتبه، فالحياة أسرع بكثير من الانترنت وإن انتهت فلا يمكن اعادة تشريجها.