تعيش طرابلس على وقع الاشتباكات المتنقلة والاحتجاجات وقطع الطرق والشائعات عن قرب تفجّر الأوضاع. عاصمة الشمال تعيش فوق صفيح ساخن وتخشى درجة الغليان

خيّب مسلحو طرابلس آمال أهلها بمرور شهر الصوم على خير. فقد انفجر الوضع الأمني ليل أول أمس، في قلب المدينة هذه المرة، بعد اشتباكات بين مسلحين أدت إلى سقوط 13 جريحاً.

فبعد خلافات نشبت بين تجار في سوق الصاغة من آل حسون وآخرين من آل النمل، تحصل بينهم عادة، اجتمع الطرفان معاً مساء الاثنين في محل داخل السوق لحلّ خلافاتهم. وفيما كان الاجتماع منعقداً، فوجئ الحاضرون بأربعة أشخاص اقتحموا المكان ورموا قنبلة فيه وأطلقوا الرصاص في الهواء عشوائياً، ما أدى إلى وقوع هذا العدد الكبير من الجرحى. واللافت أن المعتدين، وأحدهم معروف يدعى ف. ب.، لا علاقة لهم بالموضوع من قريب أو بعيد، وهم أنفسهم من حاولوا الأحد الماضي تعطيل إفطار أقامه ناشطون في المجتمع المدني في ساحة عبد الحميد كرامي (النور). ورغم ذلك. فإن أي جهة أمنية لم توقفهم لتحقق معهم.

هؤلاء المسلحون الذين يتردّد أنهم محميون من اللواء أشرف ريفي وتيار المستقبل، مباشرة أو بشكل غير مباشر، وصفهم آل حسّون وآل النمل في سوق الصاغة بأنهم «طابور خامس يستغل خلافات المواطنين لتوتير الأجواء في طرابلس، وذلك ضمن خطة ممنهجة».

النتيجة الأولى لإشكال الأسواق كان إخلاؤها من المتسوقين في غضون دقائق، وسط أجواء من الهلع والخوف، لم يخفف منها انتشار الجيش سريعاً في المنطقة.

وعند الخامسة فجر أمس، أطلق مسلحون النار على مطعمي «عمرو» و«الداعي» في منطقة أبي سمراء، بحجّة أن المسلحين الذين سبّبوا إشكال سوق الصاغة يترددون إليهما، وأبرزهم ع. ج.، الذي كان حتى فترة قريبة مقرباً من الشيخ حسام الصباغ، لكن الأخير أبعده عنه بعد ارتيابه في ممارساته.

لم تقتصر تداعيات حادثة أبي سمراء على المتخاصمين فقط، إذ فيما كان شيخ قراء عكار الشيخ خالد بركات عائداً في سيارته ترافقه زوجته، بعد تأديته صلاة الفجر في مسجد الظافر في منطقة الضم والفرز، أطلق مسلحون النار عليه، ما أدى إلى إصابته برصاصة في كتفه نقل بعدها إلى مستشفى الشفاء.

ردّ الفعل على الحادثة لم يتأخر طويلاً، إذ سرعان ما أشعل مسلحون محلاً لبيع السجاد في ساحة النجمة يملكه شخص من آل حسون، إضافة إلى اعتداء مماثل لمسلحين على محلين في خان الصابون يملكهما شخص آخر من عائلة حسون أيضاً، ما أدى إلى توتير الأجواء وتراجع الحركة في الأسواق التي تشهد عادة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان ازدحاماً خانقاً.

كل ذلك ترافق مع تعزيز جبهات القتال على المحاور التقليدية بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن وجوارهما. وأكدت معلومات لـ«الأخبار» ان المنطقة تشهد منذ أيام زيادة الدشم والمتاريس على خطوط التماس، وأن ورش صبّ الباطون المسلح تعمل على قدم وساق، استعداداً لجولة عنف جديدة.

هذا الأمر دفع دار الفتوى للدعوة إلى اجتماع علمائي ومدني عقد بعد ظهر أمس بدعوة من أمين الفتوى الشيخ محمد إمام، صدر بعده بيان كان لافتاً في مضمونه، لجهة وصفه مدينة طرابلس بأنها «مخطوفة من العصابات المسلحة»، داعياً الأجهزة الأمنية الى تحمّل مسؤولياتها.

وتزامن ذلك مع تحرّك أنصار إمام مسجد أميرة في محلة باب الرمل الشيخ طارق مرعي رفضاً لحكم المجلس العدلي الذي صدر أمس في قضية تفجير التل (طرابلس) الذي استهدف عسكريين ومدنيين عام 2008، والذي قضى بسجن مرعي 15 عاماً. وقد قطع أنصار مرعي، وهم من أقربائه وأبناء محلته وسلفيون، الشوارع وأطلقوا النار بكثافة في الهواء، ونظموا مسيرة راجلة باتجاه ساحة كرامي، تمهيداً لقطعها والاعتصام فيها. لكن الجيش الذي عزز وجوده في الساحة منعهم من ذلك، وحصلت مصادمات استخدم فيها الجيش قنابل مسيلة للدموع، في حين كانت تسمع أصوات طلقات نارية في محيط الساحة.

وبعدما تعذر على المحتجين الاعتصام في ساحة كرامي، انتقلوا إلى المعرض حيث نفذوا اعتصاماً أمام مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لكنهم ما لبثوا أن علّقوه بعد اتصالات أثمرت عن تشكيل المعتصمين وفداً لزيارة ميقاتي في السرايا الحكومية لبحث الموضوع معه. وفي موازاة تحرك أنصار مرعي الذين قطعوا أيضاً الطريق عند مستديرة الملولة، قطع أفراد من آل سيف الطريق في منطقة البداوي احتجاجاً على الأحكام الصادرة بحق موقوفين من العائلة في ملف تنظيم «فتح الإسلام». وأوضح أقرباء الموقوفين أن «التهم الموجهة إليهم هي إيواء ونقل أعضاء من تنظيم فتح الإسلام، وأن عقوبتها تتراوح بين 5 و7 سنوات، لكننا فوجئنا بأن القضاء حكم عليهم بالسجن 10 سنوات، وهذا ظلم لا نقبل به».

إلى ذلك، وصف وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، بعد اجتماع أمني في السرايا الحكومية، ما يتردد عن انفجار في طرابلس بعد عيد الفطر بأنه «شائعات». وشدد على أن «الخطة الأمنية ستستكمل بحذافيرها»، لافتاً إلى اجتماع سيعقد اليوم لمجلس الأمن المركزي لبحث الخطة الأمنية التي وضعت سابقاً.

دور مرعي في الاعتداء على أمن الدولة

في مقابل إصرار أقارب الشيخ طارق مرعي ومؤيديه على براءته، يُظهر حكم المجلس العدلي الذي صدر أمس دوراً لمرعي في ملف الاعتداء على أمن الدولة في منطقة التل في طرابلس عام 2008.

ومما جاء في الحكم أن العريف في قوى الأمن الداخلي جمال الرفاعي، أفاد في التحقيق الأولي بأنه تعرّف إلى مرعي بحكم كونه إمام جامع الأميرة منقارة في منطقة باب الرمل حيث يصلي، وأن مرعي أخبره ان العاصمة قد تتعرض لاحتلال شيعي بما فيها المراكز العسكرية، وبخاصة ثكنة المقر العام وثكنة فردان. وراح يستفسر منه عن موقع المديرية بشكل مفصل، ومن ثمّ، احضر مرعي ورقة بيضاء، وطلب منه ان يرسم خطيطة أولية لثكنة وأبنية المقر العام... وقد لاحظ ان لدى مرعي معلومات دقيقة بشأن مدخل ومخرج وأبنية المقر العام. ورسم الرفاعي الخطيطة (…) وسلمها إلى مرعي في اليوم التالي.

وتبيّن أنه عرضت صورة لخطيطة المقر العام التي ضبطت في منزل ذوي عبد الغني جوهر على الرفاعي، فأكّد أنها نفس الخطيطة التي رسمها بناء على طلب الشيخ مرعي، ولكن عليها بعض الاضافات التي لم يضعها بنفسه، وهي كناية عن أسهم وأرقام وما يتبعها من كتابات. كما عرضت على الرفاعي ايضاً صورة لخطيطة أولية لثكنة بربر الخازن (فردان)، فاعترف بأنه هو من رسمها، ولاحظ أن عليها بعض الاضافات وهي أسهم وأرقام لم يقم هو بوضعها. واعترف أيضا بأنه هو الذي رسم الخطيطة المرسومة بشكل واضح لثكنة بربر الخازن، وهي لا تتضمن اي إضافات. وتبيّن أن مرعي حرّر بخط يده بعض الكلمات والأرقام الواردة في الخطيطة (رموز واشارات تتعلق بالأماكن المستهدفة)، وانه أمّن في منطقة باب الرمل شقة للمدعى عليه عبد الغني جوهر، ليستخدمها في مخططاته، وأن الأخير استخدمها حين ارتدى البذة العسكرية يوم نفّذ الانفجار، ومن ثم، لاستبدال البذة المذكورة، وكذلك لتخبئة المتفجرات.

علما أنه لدى التحقيق معه، أنكر مرعي صحة ما اتهم به، كما نفى معرفته بالمدعى عليه جوهر. وقد طعن في صحة تقرير الخبرة، لأن خطه يختلف عن الخط المنسوب اليه، ولأنه لا يعرف شيئاً عن الخريطة. وتبيّن في هذا المجال، أن المدعى عليه عبد الكريم مصطفى أفاد في التحقيق الأولي بأنه هو وجوهر اجتمعا، قرب جامع طينال، مع شخص يبدو من شكله ولباسه انه شيخ (وقد تبيّن لاحقاً أنه مرعي)، وأن جوهر تحادث مع الشخص المذكور حوالي نصف ساعة، ومن ثمّ، توجه جوهر على متن دراجته الى مخيم البداوي، حيث قابل المدعى عليه خالد ديب الجبر، الملقب ابو وائل. وأخبره ان الشيخ اعطاه خرائط لأماكن ينوي تفجيرها، وجدولاً عن اوقات خدمة العنصر الذي زوّد الشيخ بالخرائط. وأطلعه جوهر على تلك المستندات، وإنها هي عينها التي عرضت عليه من قبل عناصر شعبة المعلومات. وأكّد مصطفى أن الشيخ الذي شاهده يتحدث مع جوهر هو مرعي نفسه الذي قابله لدى استخبارات الجيش. وكان مصطفى قد أعطى أوصافاً للشيخ تنطبق تماماً على مرعي، وذلك قبل اجراء المقابلة بينهما.

تفجير التل: الإعدام لجوهر و4 آخرين

بعد خمس سنوات على وقوعها، أصدر المجلس العدلي حكمه في جريمة التفجير في محلة التل في طرابلس، والتي أدت إلى مقتل وجرح عدد من العسكريين والمدنيين. وقضى الحكم بإعدام كل من: عبد الغني جوهر، عبيد مبارك عبد القفيل، أسامة الشهابي، غازي عبد الله وعبد الرحمن عوض بعد اعتبارهم فارّين من وجه العدالة، وبالأشغال الشاقة المؤقتة مدة 15 عاماً لكل من: عبد الكريم مصطفى، رشيد مصطفى، طارق مرعي، خالد الجبر، محمد سليم خضر، نادر العلي، حمزة القاسم، محمد عزام وأيمن الهنداوي.

كذلك جرّم المجلس سبعة قاصرين وأحالهم الى محكمة الأحداث في بيروت لتحديد الجزاء الملائم بحق كل منهم، وأعلن براءة كل من: علاء محرز، محمد سيف وعلي دندل مما أسند إليهم للشك ولعدم كفاية الدليل.

ونشر مجلس القضاء الأعلى ملخص الحكم في تفجير التل، وجاء فيه أنه تبين للمجلس العدلي أن ثلاث شبكات أصولية متطرفة نشأت بين مخيم عين الحلوة ومخيم البداوي وببنين وطرابلس وأنها مترابطة، يجمعها الولاء لتنظيم فتح الإسلام وتمتد علاقاتها الى تنظيم القاعدة. وتبين أنه بعد هزيمة تنظيم فتح الإسلام في نهر البارد، انتقلت القيادة إلى المدعى عليهم: عوض، الشهابي وعبد الله، المتحصنين في مخيم عين الحلوة، فعمدوا إلى وضع المخططات لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش اللبناني والقوى الأمنية، انتقاماً لهزيمة نهر البارد ولضرب مقوّمات الدولة اللبنانية.

وإنه تنفيذاً لأحد فصول تلك المؤامرة، وقبيل الساعة الثامنة من صباح يوم 13/08/2008، حضر المدعى عليه جوهر إلى شارع المصارف في منطقة التل في مدينة طرابلس، وهو يرتدي بزة الجيش اللبناني، منتحلاً صفة عسكرية ويحمل حقيبة تحتوي على كمية من المتفجرات من مادة الـ TNT، وهي مغلفة بعزقات مسدسة الشكل تحدث شظايا، بهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا. ووضع الحقيبة، التي تحتوي على المتفجرات، على الرصيف الأيمن لشارع المصارف بين حافلتي ركاب، وغادر المكان واتجه نحو محل صرافة المصري المواجه لمكان العبوة، حيث كان ينتظره شريكه المدعى عليه عبد القفيل (أبو عائشة) السعودي الجنسية. فأقدم المذكوران على تفجير العبوة. وقد أسفر الانفجار عن استشهاد 10 عسكريين و3 مدنيين، كما أفضى إلى جرح 37 عسكرياً وتسعة مدنيين.