في انتظار عودة الرئيس المكلف تمام سلام من الخارج، ومعرفة ما ستؤول اليه المهل الوهمية لتأليف الحكومة، أطلق النائب وليد جنبلاط مواقف حرَّكت المياه الراكدة.

لكن انتظار نتائج هذه المواقف لا يوحي بأنّ القرار لدى مجموعة الوسطيّين قد اتخذ بمواجهة تعطيل "حزب الله" تأليف الحكومة، بولادة المرسوم وذهابه الى مجلس النواب والتصويت بالثقة المضمونة، في حال قرَّر جنبلاط تحدي الخوف مما يمكن ان يقدم عليه الحزب.

في الواقع، ثمة مؤشرات لا تعطي الكثير من الأمل في موقف جنبلاط، ليس لأنّ الرجل لا يريد الخروج من نفق التعطيل بل لأنه يدرك بأنه سينال النصيب الأكبر من أعباء هذا القرار، في حال غطى تأليف ما يُسمّيه "حزب الله" حكومة الامر الواقع.

وتصف أوساط مطلعة مواقف جنبلاط الأخيرة عن الحكومة الحيادية بأنها مواقف "تحريك وليس تأليف"، وتورد الاوساط مجموعة أسباب تمنع سلام وجنبلاط، وحتى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من الذهاب الى النهاية في تأليف الحكومة، يمكن إيجازها على الشكل الآتي:

أولاً: إندفع جنبلاط إلى تحريك ملف تأليف الحكومة لجسّ نبض رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وكانت النتائج سلبية، فالوزير علاء الدين ترّو الذي شارك استثنائياً في لقاء الأربعاء النيابي خرج بانطباع أنّ برّي لا يسير بحكومة حيادية، وهو يصر على الثلث زائد واحد، ولو كان ذلك على طريقة تأليف حكومة الوزير الملك، وهذا يعني أنَّ مجرد البحث في حكومة الثلاثة أثلاث التي يُصرّ عليها سلام مرفوض من الثنائي الشيعي، ومن "حزب الله" تحديداً، الذي وضع خطاً أحمر على أي صيغة وزارية لا تؤمن له ولحلفائه الثلث المعطل.

ثانياً: لن يذهب جنبلاط الى النهاية في الإصرار على الحكومة الحيادية، لمعرفته أن "حزب الله" لا يقبل بها، ولتيقّنه بأن الحزب جاهز للذهاب إلى الحد الأقصى، بحيث سيعتبر أنها حكومة مواجهة، وسيطلق آلته الأمنية والشعبية، وسيُحدث الفوضى، وسيمتنع عن تسليم الوزارات، وقد يقفل مجلس النواب امام نيل هذه الحكومة الثقة، وهو لن يتأثر بمشاركته في الحرب السورية، بل هذه المشاركة ستزيد من غلوه في الاندفاع الى خطوات غير محسوبة، إذ بعد التورط العلني في سوريا، وبعد إدراجه على لائحة الإرهاب الأوروبية، لم يعد لدى الحزب ما يخشى عليه، وكل ما يخشى منه هو تأليف حكومة لا يكون له فيها الثلث المعطل.

ثالثاً: على رغم القراءة الجديدة للوقائع الميدانية في سوريا، يدرك جنبلاط أنّ الحرب في سوريا طويلة، ولا نهاية وشيكة لها بسقوط النظام، ولا ينفصل تأليف الحكومة عمّا يجري داخل سوريا.

إذ إنّ التعطيل في أحد أسبابه هو ردّ على الدعم العربي للمعارضة السورية، وهنا يمكن الحديث عن دور إيراني في لبنان يصرّ على امساك القرار بشكل كامل، وتأليف الحكومة لا يخرج عن هذا السياق، ومهما تحوّلت الوقائع الميدانية في سوريا، سيزداد التشدد الإيراني في موضوع الحكومة، وستتجه مواقف "حزب الله" الى التصعيد الكامل في حال شكلت حكومة لا يحظى فيها بحق الفيتو على اتخاذ أي قرار لا يناسبه.

هذه الأسباب التي يعرفها جنبلاط، فرملت مواقفه الأخيرة، ولم يتابعها فريقه السياسي، فلاذَ نواب كتلته بالصمت ولم يروّجوا للحكومة الحيادية، وتركوا له التصرف والتصريح لكي لا يذهبوا بعيداً في الارتكاز على موقف من الحكومة الحيادية، يعرفون أنه لن يترجم عملياً، بسبب عدم وجود جهوزية أو قرار للذهاب الى مواجهة حتمية مع "حزب الله".