إثر انتهاء الحرب الكونية الاولى وانعقاد مؤتمر الصلح في فرساي (فرنسا) وزوال الحكم العثماني عن دول المشرق العربي ومنها لبنان، وحلول الانتداب الفرنسي محل نظام المتصرفية (برتوكول سنة 1864) واعلان دولة لبنان الكبير في 1 ايلول 1920 ثم الدستور اللبناني في 23 آيار 1926 وانتخاب شارل دباس اول رئيس للجمهورية اللبنانية، لم يحقق اللبنانيون، في كل هذه المراحل الصعبة والمريرة، استقلالهم التام والناجز الا في 22 تشرين الثاني سنة 1943 عندما اهتدوا معا الى الميثاق الوطني،هذا الميثاق الذي حقق، بالقول والفعل، استقلال وسيادة لبنان ولولاه لما كان هناك من أمل لنشوء الدولة اللبنانية المعروفة بتعددية الطوائف بل قل بتعددية الحضارات المتجذرة عبر الزمن منذ الحضارة الفينيقية مرورا بحضارات اليونان والرومان والمسيحية والاسلامية وحتى يومنا هذا.

وبالواقع، استفاق اللبنانيون في 22 تشرين الثاني سنة 1943 على بزوغ فجر جديد حققه ميثاقهم الوطني: دستــور معلن، واعتراف دولي جعل لبنان في مصاف الامم الحرة، وسيادة غير منقوصة لم ينعم بها الشعب اللبناني الا بعد طول انتظار استغرق قرونا. ومن هنا فأن الميثاق الوطني تتجسد فيه المكونات التي يتألف منها الشعب اللبناني، فهو صيغة عيش وضمانة قانونية، هو ضمير الامة اللبنانية، وبدونه لا وجود للبنان، وان الدستور اللبناني المعدل في سنة 1990 قد لحظ في مقدمته البند (ي): "لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك" بقصـد التأكيد على مدى اهمية الميثاق الذي يحاكي المادة 16 من اعلان حقوق الانسان سنة 1789 التي تنص: "كل مجتمع لا تتحقق فيه الضمانات القانونية ولا مبدأ فصل السلطات لا يعتبر ان له قانون دستوري"، وبالتالي، فان التعرض للميثاق سواء من قريب او بعيد يعتبر جريمة كبرى بحق الوطن اقلها تهمة الخيانة العظمى.

اما بالنسبة الى مدى حق المجلس النيابي في الانعقاد، فقد نص الدستور على ان المجلس يلتئم كل سنة في عقدين عاديين (عملا بالمادة 32 منه) وفي عقود استثنائية بموجب مرسوم يصدر عن رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة (عملا بالمادة 33 منه)، وكلما اجتمع المجلس النيابي بعقود عادية او استثنائية تكون الحكومة حاضرة استنادا الى مبدأ حق رقابتها ومحاججتها على اعمالها، كما نصت المادة 67 دستور على ان: "للوزراء ان يحضروا الى المجلس ان شاؤوا وان يسمعوا عندما يطلبون الكلام ولهم ان يستعينوا بمن يرون من عمال ادارتهم"، اما اذا كانت الحكومة مستقيلة او معتبرة مستقيلة فقد نص الدستور في فقرته الاخيرة من المادة69: "عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكما في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة" وان قصد المشترع من هذا النص الاخير مرده الى عدم تعطيل عجلة الحكم اذا ما طالت الازمة الوزارية كما حصل في 24/4/1969 حيث استقالت الحكومة وبقيت، حينها، الازمة الوزارية سبعة اشهر وقد تكرر هذا المشهد لغير مرة حتى جاء التعديل الدستوري في 21/9/1990 يدخل الفقرة الاخيرة على المادة 69 المذكورة ويولي المجلس النيابي حق الاجتماع الحكمي لغاية تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقــة، وذلك بمعزل عن تطبيق المادة 33 دستور الآنفة الذكر لان حالة الاستقالة قد افرد لها المشترع نصا خاصا، واضحا وصريحا، يجب اعماله لا تعطيله، فالعبرة هي: "في اعمال النصوص لا تعطيلها".

ولا يجوز ان يتبادر الى ذهن البعض ان نظام الحكم في لبنان، في هكذا حالة، قد تحول الى نظام مجلسي عند تطبيق الفقرة الاخيرة من المادة 69 دستور، او ان مبدأ فصل السلطات قد خرق طالما ان المجلس النيابي، وبقطع النظر عن مثول الحكومة امامه، يقوم بواجبه ضمن حدود التشريع الذي يدخل في صلب اختصاصه وبهدف الحفاظ على مصالح البلاد ودرء اي خطر عنها.

وفي المحصلة، ان المجلس النيابي، في العقود العادية او العقود الاستثنائية و/او الحكمية، من حقه الاجتماع دون مثول الحكومة امامه، كما ان اجتماعه والحكومة مستقيلة هو اجتماع قانوني ودستوري لا غبار عليه.

ولكن اذا تعذر اجتماع المجلس النيابي لعدم اكتمال النصاب، فانه يستفاد من ذلك ان اعضاء المجلس قد عبروا عن رفضهم الضمني لبنود جدول الاعمال او بعضها وهذا من حقهم الدستوري عملا بالمادة 34 دستور، ومن المستحسن على رئيس المجلس اعادة النظر بهذا الجدول. اما اذا كان عدم حضورهم هو بقصد تعطيل النصاب بسبب استقالة الحكومة او عدم مثولها امام المجلس فهذا لا يعتبر حقا لهم، ويشكل بالتالي مخالفة دستورية يسألون عنها وعن سائر النتائج من جراء هكذا احجام قد يعرض البلاد الى مخاطر جسيمة يصبح من الصعب تلافيها او الحد من تداعياتها لاسيما في الآونة الحاضرة.

ونشير في هذا الاطار الى ان الدستور بمادته 64 قد اناط برئيس الحكومة المكلف مهمة اجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة على ان يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق معه مرسوم تشكيلها عملا بالبند 4 مــن المادة 53 دستور، ما يعني ان تأليف الحكومة غير مربوط بموافقة الكتل النيابية التي يبقى لها، ولاسباب وجيهة، الامتناع عن اعطاء الثقة للحكومة عملا بالمادة 36 دستور. وفي هذه الحال تصبح الحكومة الجديدة "غير الحائزة على الثقة فرضا" بمثابة حكومة تصريف اعمال عملا بالبند 2 من المادة 64 دستور لانه في مرحلة طرح الثقة بالحكومة الجديدة تضحى الحكومة السابقة لها معدومة الاثر والوجود.

وفي ضوء ما تقدم، وحفاظا على المصالح العليا للبلاد يقتضي على رئيس الحكومة المكلف تمام سلام تأليف حكومته بغية تمكين المجلس النيابي من ممارسة صلاحياته الدستورية حيالها وتحمل مسؤولياته الوطنية حـول مسألة اعطاء الثقة من عدمها.