مع كارثة تفجير السيارتين في مدينة​طرابلس​ بفارق زمني قدره الخبراء بعشر دقائق، بدا واضحا أنّ البلاد برمتها انكشفت أمام مشروع الفتنة المذهبية الخطير بعد أن وصلت النار السورية إلى العمقين السياسي والامني وحولت الساحة الداخلية إلى ميدان رديف يتم التعاطي معه مثلما يتعاطى تنظيم "القاعدة" مع الساحة العراقية او جبهة النصرة مع النظام السوري، فالتفجيرات الارهابية التي حطت رحالها في طرابلس اسست الى المزيد من الانقسام العامودي في ظل ردود فعل أقلّ ما يقال فيها أنها غير مسؤولة خصوصا لجهة إثارة الشارع وضخه بالمزيد من جرعات الحقن التي لا يبدو الوقت مناسبا لها بأيّ شكل من الأشكال.

وترى مصادر متابعة أنّ التفجيرين الارهابيين يحملان رسائل واضحة، وتعرب عن خشيته من ظهور ما يمكن تسميته بالأسباب الموجبة التي تدفع إلى الاعتقاد بأنّ مشروع فدرلة لبنان بدأ فعلا من خلال موجة الامن الذاتي، لافتة إلى "حزب الله" لجأ بعد انفجار الرويس الأخير إلى تشديد الحراسة على مداخل الضاحية مستعينا باجهزته الامنية المنظمة والمحترفة، ولكنّ الخشية تنامت في الساعات الأخيرة من أن يعمد التيار السلفي إلى إعلان ما يسميها "دولته الاسلامية" ومن خلالها الامن الذاتي، الذي لوّح به مؤسس التيار الشيخ داعي الاسلام الشهال، وهو ما سينعكس حتما على شكل المدينة ومضمونها السياسي والامني، وذلك بعد تحولت الازمة السورية الى حرب مفتوحة بين دول اقليمية وعربية وغربية وتداخل حابل الامن بنابل التسويات.

وتشير المصادر إلى أنّ انفجاري طرابلس المتزامنين يشبهان في الشكل والمضمون ذلك الذي وقع في الرويس في الخامس عشر من اب الجاري، أكان لجهة حجم العبوة المستخدمة وفاعليتها وقوة عصفها ام لناحية الاضرار البشرية والمادية الضخمة للغاية، وتوضح أنّ الانفجار الاول وقع في وقت الذروة لحصد اكبر عدد ممكن من الاصابات، بينما حصل الثاني والثالث في وقت خروج المصلين من الجوامع، وذلك في تزامن دقيق ينم على انهما من تخطيط وتنفيذ جهة محترفة للغاية وقادرة على هذا الكم الكبير من فرض التنسيق فضلا عن امتلاكها قدرات عسكرية وامنية ومالية هائلة على اعتبار انه من تنفيذ خلايا مدربة للغاية وتتمتع بخبرات في هذا المجال لا يمكن ان تتوفر الا لدى دول كبيرة وفاعلة.

لكنّ طرح الأمن الذاتي لا يلاقي صدى إيجابيا لدى تيار "المستقبل" الفاعل في طرابلس، أقلّه حتى اللحظة، حيث يصف نائب "مستقبلي" هذه الطروحات بغير المقبولة، وهو يرفض توجيه اصابع الاتهام ولو مواربة الى "حزب الله"، خصوصا في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة بحيث يمكن الاعتبار أنّ لبنان هو في عين العاصفة منذ اشهر ولا بد من العمل على اخراجه منها وليس حشره في عنق الزجاجة. ولا يستبعد هذا النائب ان يكون اعتماد مبدأ الامن الذاتي مدخلا لاعلان كيانات طائفية ومذهبية خصوصا ان ردة الفعل على السير قدما بمشروع الامارة الاسلامية من شأنه ان يدفع الى الانفجار الشامل او الى اعلان كيانات مماثلة.

في المقابل، ترفض مصادر سياسية تحميل "حزب الله" مسؤولية كل ما وصلت إليه البلاد بعد دخوله على خط القتال الدائر في الاراضي السورية، وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الحزب، ورغم دخوله بشكل علني في حرب سوريا، ليس الوحيد ولا الأول، بل يصح القول ان دولا باسرها تشارك في الحرب كما ان التيارات السلفية والاصولية تشارك في الجهاد ايضا مع الاشارة الى ان عدد من اللبنانيين المحسوبين على هذه التيارات قضوا على جبهات القتال في سوريا، وهذا يشير الى ان لبنان لم يمارس سياسة النأي بالنفس الا نظريا، ولو استمع بموضوعية الى تقارير قيادة الجيش التي تتحدث منذ اكثر من سنة عن خلايا ارهابية نائمة لما كان لبنان مكشوفا في هذه المرحلة الحساسة حيث يشتد الكباش الاقليمي والدولي ويحلل العنف باشكاله كافة.