سواء أكانت مجرّد "حرب نفسية" أم أنّ التهديدات "المتبادلة" تحمل من "الجدية" ما تحمل، فإنّ "التأهّب" و"الاستنفار" بات سيّد الموقف في العواصم الكبرى خلال الساعات الماضية على خلفية "ضربة مرتقبة" على سوريا، تكاد تفاصيلها وأهدافها تُعلَن قبل حصولها..

واشنطن لم تتّخذ قرارها بعد، هذه "خلاصة" آخر أحاديث الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​، بعد أيام من "الوعيد" خرج فيه وزير دفاعه ليعلن جهوزية الجيش للتحرك "فور" صدور الأمر من "سيّد" البيت الأبيض، وروسيا تحذر في المقابل من "عواقب وخيمة" لمثل هذه الخطوة التي تشكل "تحديا" لميثاق الأمم المتحدة، ميثاق بدا المسؤولون الأمميون نفسه غير حريصين عليه، ولو خرجوا بتصريحات تؤكد ضرورة العودة إليه قبل التدخل العسكري في أي دولة، وهي تصريحات بدت من باب "رفع العتب"، لا أكثر ولا أقل..

سوريا قالت كلمتها قبل يومين على لسان وزير خارجيتها وليد المعلّم. ردها على أي ضربة، إن حصلت، لن يكون الاستسلام بطبيعة الحال، بل إنها ستدافع عن نفسها بكل الوسائل المتاحة، وستفاجئ الآخرين بقدراتها. أكثر من ذلك، حلفاء سوريا لن يتركوها وحيدة في الميدان، وفي مقدّمة هؤلاء إيران، التي نشطت خلال الساعات الأخيرة على خط "التهديدات"، بين المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي الذي حذر من "كارثة على المنطقة" ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني الذي حذر من أنّ قرار وقف الحرب لن يكون بيد من سيبدأها، وصولا إلى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال ​قاسم سليماني​ الذي دعا الجنود الأميركيين الذاهبين إلى سوريا لأخذ "توابيتهم" معهم!

هل "أرجئت" الضربة؟

لم تحصل "الضربة" الأميركية على سوريا بعد. الضربة، التي قيل أنها مسألة أيام منذ أيام، أرجئت، فلم يحملها معه فجر الخميس، كما توقع كثيرون خلال الأيام القليلة الماضية. وإذا كانت "التسريبات" التي كثرت عن أهداف هذه الضربة النظرية والعملية بدت "مريبة"، باعتبار أنّ العنصر الأساسي في أيّ "حرب" هو "المفاجأة"، فإنّ "أمر العمليات" الذي انتظره كثيرون عن الرئيس الأميركي باراك أوباما، بل إنّ الأخير خرج ليقول، بكلّ بساطة، أنه لم يتّخذ قراره بعد، متحدثا عن "خيارات عديدة" لديه بينها العمل العسكري، موضحا أنّ هناك أمورا عدة يجب أخذها في الاعتبار عند قرار توجيه ضربة لسوريا وهي ضمان تدفق النفط وأمن اسرائيل، على حدّ تعبيره.

وفي الانتظار، لم يحمل الاجتماع "الطارئ" الذي عقده ​مجلس الأمن الدولي​ أيّ جديد، بل بدا "نسخة طبق الأصل" عن اجتماعات سابقة لم تتوصّل إلى أيّ اتفاق، نظرا للتباعد في الرؤية بين الدول الكبرى المنقسمة إلى معسكرين، معسكر تقوده الولايات المتحدة الأميركية وآخر تقوده روسيا. هكذا، انهى الاعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الامن اجتماعا ناقشوا فيه مسودة قرار قدمتها بريطانيا يفتح الباب للجوء الى القوة ضد النظام السوري من غير ان يتوصلوا الى اتفاق، في وقت طلب المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بشار الجعفري من الأمانة العامة للمنظمة الدولية أن تباشر مهمة تقصي الحقائق في الإدعاءات ذات الصلة باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا برئاسة آكي سالستروم اجراءات تحقيقات "فورية" في ثلاثة هجمات بغاز السارين قال إن المعارضة السورية شنتها على القوات الحكومية.

وفيما لفت "التأهب" الاسرائيلي غير المسبوق "تحسّبا" لتداعيات أي ضربة محتملة لسوريا، حيث رفعت اسرائيل حال التأهب لديها ونصبت منظومات صواريخ مضادة للصواريخ قرب الحدود مع لبنان، وقررت استدعاء محدوداً لجنود الاحتياط، كما سجّل إقبال غير مسبوق للإسرائيليين على استلام الكمامات الواقية خوفا من اندلاع حرب كيماوية في المنطقة، دخلت إيران بقوة على خط "الحرب النفسية" القائمة في المنطقة، ولعلّ التصريح الذي خرج به قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني هو الأكثر دلالة على هذا الصعيد، حيث دعا أي جندي أميركي ينزل من طائرته أو يغادر بارجته إلى سوريا إلى أن "يحمل تابوته معه"، مؤكداً أن "سوريا خط أحمر، وبلاد الشام هي معراجنا الى السماء وستكون مقبرة الاميركيين"، في وقت اعتبر المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في إيران السيد علي الخامنئي أن التدخلات الاميركية والتهديدات التي تطلقها على سوريا تعد كارثة تحل على المنطقة بالتاكيد، مشددا على ان الاميركيين اصيبوا بالاضرار جراء تدخلاتهم في العراق وافغانستان وفي هذه المرة سيلحق بهم الضرر بالتاكيد ايضا.

لبنان يحبس أنفاسه..

وإذا كان لبنان الرسمي بقي "نائيا بنفسه" عن الموضوع السوري بمجمله، رغم أن "تداعياته" ستنعكس عليه بصورة مباشرة، فإنّ أزمة تفاقم أعداد اللاجئين السوريين بدأت تلوح في الأفق، حيث سجل نزوح ما يزيد على عشرة آلاف سوري إلى لبنان خلال 24 ساعة فقط، وهو عدد مرشح للازدياد أكثر إذا استمرّ الوضع على حاله خلال الساعات المقبلة، علما أنّ اجتماعا عقد في قصر بعبدا قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ​ميشال سليمان​ وحضور رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي للبحث في الخطوات الاستباقية او ما وصفه وزير الشؤون الاجتماعية وائل ابو فاعور بـ"الاجراءات لاستيعاب الصدمة الاولى في حال ضرب سوريا"، وتركزت هذه الاجراءات على ايجاد امكنة لايواء الاعداد الجديدة من النازحين.

وفي وقت جدّد رئيس الجمهورية دعوة القوى السياسية كافة لـ"إعادة الاعتبار إلى سياسة النأي بالنفس على أساس إعلان بعبدا"، مذكراً بـ"الثوابت اللبنانية التي تدعو إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية بعيداً من أي تدخل عسكري خارجي"، لفتت "المرارة" التي عبّر عنها رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال "لقاء الأربعاء" من الموقف العربي تجاه التطورات السورية وما آلت إليه الأمور، وما ستحمله الأيام المقبلة إذا ما تأكدت الضربة التي تحضّر لسوريا.

هذه التطورات المتسارعة، معطوفة على التهديدات الارهابية المستمرّة ضد لبنان، لم تنعكس بأي شكل على ملف تشكيل الحكومة الذي بقي يراوح مكانه دون أن يسجّل أيّ تقدّم يُذكَر ويمكن البناء عليه، رغم ما ذكرته صحيفة "النهار" عن أنّ ان التوجه الى تأليف حكومة حيادية قد تم تجاوزه بفعل التطورات واستبدل بتوجه عبّر عنه الرئيس سليمان يقضي بقيام "حكومة جامعة" من السياسيين والمستقلين، وسيكون السياسيون ممثلين للقوى الرئيسية بما فيها "حزب الله"، فيما يأتي المستقلون وفق توجهات الرئيس سليمان ورئيس الحكومة المكلّف تمّام سلام على ان تعتمد في التشكيل صيغة الثلاث ثمانات ومبدأ المداورة في توزيع الحقائب. لكنّ صحيفة "الأخبار" نقلت في المقابل عن مصدر حكومة مطلع قوله أنّ السعودية تصرّ على حكومة حيادية لا تضم حزب الله مباشرة أو غير مباشرة، وإن فريق 14 آذار دعا سليمان وسلام إلى انتظار بعض الوقت، ريثما تنجلي صورة الموقف الغربي من ضرب سوريا، وسط رهانات على توافر مناخات تساعد على تنفيذ هذا القرار.

كلمة أخيرة..

وسط فوضى "التكهّنات" حول الضربة الغربية المحتملة لسوريا، تكثر علامات الاستفهام عن حقيقة هذه الضربة، وما إذا كان الحديث عنها جديا أم أنها جزء من الحرب النفسية الفاعلة على أكثر من خط هذه الأيام.

وإذا كانت التجارب السابقة تؤكد أن الدول الكبرى لا تعير حسابا لمجلس الأمن، رغم ما صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن ضرورة إعطاء فرصة للسلام والدبلوماسية وعن ضرورة العودة لمجلس الأمن قبل التدخل في أي دولة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن عنصر "المفاجأة" الغائب تماما عن موضوع ضربة سوريا، حتى أنّ البعض تساءل عما إذا كانت أميركا سترسل "مشروع الضربة" إلى الرئيس بشار الأسد، لعلّه يقترح "الأهداف" ويضع "الملاحظات" على الخطة!