حبسَ العالم أنفاسه بانتظار إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن موعد الضربة العسكرية التي كانت متوقعة على سورية لكنه أفلت من ذلك عندما أحال الأمر إلى مجلس الشيوخ الكونغرس للتصويت عليه واتخاذا القرار بشأنه رامياً بذلك الكرة فى ملعب الأخير ومحاولاً الالتفاف على قرار حازم قد لوّح به في الأيام القليلة الماضية عن عزمه وإصراره على توجيه ضربة عسكرية محدودة يعاقب بها سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد على ما ادعاه التحالف الغربي - العربي من استخدام القوات النظامية السورية للأسلحة الكيماوية في الغوطتين الشرقية والشمالية من سورية والتي أسفرت في وقت سابق من الشهر الماضي عن سقوط ما يزيد عن ألف قتيل في هذه المجزرة.

اتخذت هذه الحادثة ذريعة على ما يبدو لتحفيز العالم على التحرك العسكري من قبل الدول الغربية ضد سورية في محاولة لتغيير معادلات وموازين القوى على الأرض والتي سجلت تقدماً ملحوظاً للجيش السوري مقابل المعارضة المسلحة.

كل ذلك كان استباقاً أيضاً لعقد مؤتمر «جنيف 2» الذي يصلح لفرض «شروط» الأقوى عسكرياً على طاولة المفاوضات ما جعل من السباق محموماً بين قرقعة السلاح وقرع طبول الحرب وبين جهود الوساطات ومحاولات الابتزاز التي قامت بها بعض الدول الإقليمية والعربية مع الأطراف المعنية بالصراع.

خطاب أوباما أكد نظرية القائلين بأنه رئيس «متردد» لا بل أكثر من ذلك وصفه البعض بـ»الضعيف» لأنه ما زال ومنذ سنتين «تاريخ بدء الأزمة» ينادي بضرورة تنحية الرئيس بشار الأسد وبأن استعمال الكيماوي خط أحمر والذي تم استخدامه بطريقة ما لم تثبت التحقيقات التي أجراها فريق الأمم المتحدة لتقصّي الحقائق أن الجيش قد قام بذلك في حين أن إحدى العضوات في هذا الفريق قالت بثقة إن المسلحين هم من استخدموا هذا النوع من الأسلحة في حين أصرّ «صقور» الولايات المتحدة على اتهام الحكومة والقيادة السورية لتبرير عدوان تشنه الدولة «الأعظم» بمشاركة الدول الغربية لا سيما الأوروبية منها التي سرعان ما بادرت الى خذلان حليفها الأميركي وتحديداً بريطانيا التي رفض مجلس العموم التصويت لصالح الضربة العسكرية ضد سورية متسائلاً أين تكمن مصلحة بريطانيا في ذلك؟.. ما أفقد أوباما حليفاً مهمّاً كان دعم الولايات المتحدة في كل مغامراتها العسكرية داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط.

تقف الولايات المتحدة اليوم مترددة حائرة بين توجيه ضربة عسكرية «محدودة» تنقذ بها ماء وجهها تجاه حلفائها العرب والإقليميين و»إسرائيل» وبين إمكانية أن لا تستطيع مواجهة الرد الداخلي السوري وحليفه الإيراني الذي كان لموقف أحد أهم قادته وهو قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الأثر البالغ عندما لوّح بإرسال الجنود الاميركيين «بالتوابيت» في حال إقدامهم على شن عدوان على سورية فكان «التراجع» أو «التردد» الأميركي والاستعاضة عنه بحملة دعائية واسعة لاستغلال الوقت الضائع حتى عودة الكونغرس من إجازته الصيفية التي تنتهي في التاسع من أيلول الجاري وبهذا أيضاً يحاول أوباما ان يعطي «مظلة دستورية» قد تخفف من وطأة الغضب والرفض الشعبي لهذا التدخل والذي لا يعلم أحد كيف سينتهي أو كيف سيمتد حريقة ليلتهم مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في المنطقة.

هو «الانتظار القاتل» الذي تنشط فيه «دبلوماسية المؤامرات» التي يقوم بها حلفاء أوباما الإقليميين والغربيين وحليفته الأولى «إسرائيل» كي يهيء الأرضية الشعبية والرسمية للضغط على أعضاء الكونغرس للتصويت على «قرار» شن العدوان على سورية وضمناً أيضاً بعد انتهاء زيارة أوباما إلى السويد صاحبة أكثر البلدان تعرضاً للهجمات الإرهابية وأيضاً بعد لقائه المتوقع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبورغ نهاية هذا الأسبوع.

وفي المقابل لا يدّخر المحور الآخر المساند لسورية أي جهدٍ دبلوماسي أو حتى عسكري في محاولة لدرء هذا العدوان وفي حال وقوعه أيضاً فإن كل احتمالات المواجهة العسكرية بما فيها استقدام البوارج الحربية لتملأ المياه الدافئة ما قد يعطي إشارة إلى إمكانية انتشار الحريق وتوسعة رقعة الحرب مهما حاولت الولايات المتحدة إقناع العالم بمحدوديتها لأنها قد تملك قرار انطلاقها لكنّ مسار الحرب قد لا تستطيع التحكم به فـ لسورية أيضاً حلفاء أقوياء يملكون وسائل ضغط وقوة.

أمام كل الأطراف فرصة أخيرة لتعيد حساباتها بمدى المكاسب التي يمكن تحقيقها من خلال القيام بهذه الحرب على محدوديتها أو الإحجام عنها تحت ذرائع متعددة قد يتم استثمارها من قبلهم لكن الثابت الوحيد فيها أن سورية استطاعت ليّ ذراع الولايات الناحدة في أول اختبار حقيقي للمواجهة ما يؤكد على أهمية الموقع والدور لهذا البلد الذي صنفه أحد أهم منظري أميركا بأنه مفتاح الشرق الأوسط وأن من يملك مفتاحه يملك مفتاح المنطقة برمتها في حين أن المؤكد أيضاً أن قيادة هذه الدولة تعرف ما هي قيمة عليه في الحاضر والمستقبل فضلاً عن الماضي.

قد تبدو الولايات المتحدة «الحريصة» دائماً على تلميع صورتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي أكثر قلقاً على إمكانية «انعكاس» تراجعها عن موقفها المتشدد تجاه سورية سلباً على موقف «إسرائيل» وهو ما فسّر زيادة الضغط «الإسرائيلي» عليها والإبقاء على جهوزيتها العالية من خلال حالات الاستنفار القصوى ما يشي بتواطؤ غير معلن على حتمية العمل العسكري ضد سورية واستعداد «إسرائيل» للتدخل في حال توسيع رقعتها مع عدم إغفال أن حلفاء سورية ومنهم حزب الله في لبنان قد «هضموا» المرحلة الأولى من انخراطهم في المواجهات واستعدوا للانتقال الى.. الحرب!.