يبدو أن قمة العشرين التي انتهت أعمالها نهاية الأسبوع الماضي في سانت بطرسبورغ في روسيا قد أعادت تنصيب «قيصر» روسيا الرئيس فلاديمير بوتين على رأس السياسة الدولية وأعادته إلى موقعه السابق كندٍّ للسياسة الأميركية وتوابعها الأوروبيين لتقول ها نحن هنا.. لا يمكن أن ندعكم تقرّرون مصير العالم وحدكم وأن تُشعلوا حرباً قد لا تنطفئ بسهولة وقد تمتدّ لتطال أقدامكم.

هو بوتين الواثق.. الذي بدا وكأنه يدرك عمق المأزق الذي يمر به الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه الازمة السورية وتجاه صورة الولايات المتحدة أمام العالم بعدما هدّد وتوعد بالكثير فعاد وانكفأ واستنجد بموافقة الكونغرس غير الملزمة أصلاً له بشن عدوان عسكري لطالما تم ّاتخاذ قراره بشكل منفرد من قبل رؤساء أميركيين سابقين وفي أماكن متعدّدة في العالم.

لقد أظهرت قمة العشرين التي كان من المفترض أن تكون قمة اقتصادية أساساً نظراً إلى طبيعة نشأتها أنها سياسية بامتياز بعدما هيمنت عليها الأزمة السورية التي كشفت الهوة العميقة بين بوتين واوباما الحازمين كل في موقفه تجاه العدوان المفترض على سورية والذي قال عنه بوتين بأنه «ممنوع» وانه سيدعم دمشق بالسلاح حال تعرّضها لهذا العدوان.

أما اوباما «المتجهّم» والمستنفر لكل دبلوماسيته الخارجية والداخلية بالتحشيد لهذا العدوان فإنه قد غيّر عنوان حملته ضد سورية بشعار «حماية الأمن القومي الأميركي بدل «تأديب النظام السوري» على خلفية مزاعم استخدامه الأسلحة الكيماوية. وقد ترافق التصعيد الخطابي لأوباما عشية تبدل في الموقف الفرنسي الداعم جداً لهذا العدوان والانتقال إلى ما أعلنته الدبلوماسية الفرنسية عن ضرورة انتظار تقرير مفتشي الأمم المتحدة حول الاستخدام الكيماوي في الغوطة السورية حتى لو اتخذت الولايات المتحدة قراراً بعمليتها العسكرية المفترضة على سورية وبهذا يكون أوباما قد خسر حليفين هامين هما الفرنسي وقبله البريطاني ومعهما الألماني الذي نأى بنفسه منذ البداية عن موضوع التدخل العسكري في سورية حتى أن البيان الذي صدر نهاية قمة العشرين ممهوراً بتوقيع 11 دولة من حلفاء الولايات المتحدة والداعمة لما أسمته بـ»الرد القوي الحاسم تجاه سورية» قد يشكل دعماً مادياً للتحرك الأميركي وهو ما ينوي الرئيس أوباما دعمه عبر التوجه بخطاب إلى الأمة يستنهض به «الدعم الشعبي» لخطته تجاه سورية وبالتزامن أيضاً مع التئام الكونغرس وبدء النقاش حولها.

وعليه فإن أوباما أوعز لوزير خارجيته جون كيري التوجه إلى دول عربية وإقليمية صديقة للولايات المتحدة لحشد الدعم لهذه «الضربة» ضد سورية بعدما كان قد أعلن أن هناك دولاً «عربية» سوف تتكفّل بتأمين تكلفة هذا العدوان وعلى نفقتها من دون أن تتحمل الولايات المتحدة عبئها المادي ولو بدولار واحد ما قد يخفّف حسب اعتقاد الإدارة الاميركية من إمكانية معارضة هذا العدوان على خلفيات اقتصادية.

الأجواء الباردة في قصر «قسطنطين» في الشمال الروسي أعادت إلى الأذهان الحرب الباردة بين القطبين في القرن الماضي على خلفية سباق النفوذ والمصالح لتفرض تحديات كبيرة قد تجعل صراعهما على عرش العالم أكثر احتداماً وقد تكون سورية أحد أهم الجبهات التي يستميت الروس بالدفاع عنها لأنها تشكل أحد أهم مرتكزات منطقة الشرق الاوسط بما تمثل من ثقل سياسي واقتصادي وجيو سياسي مؤثر.

وانطلاقاً من هذا تبدو معركة الرئيس الاميركي أصعب وعلى جبهات متعددة.. وهي صعوبة أصبح يعترف بها في كل خطاباته وتصريحاته بدءاً من طلب التفويض من الكونغرس بعد التغيّر الذي طرأ على موقف حلفائه الأوروبيين وتحذير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي التي تشكل كلها مسارات تجعل من مهمة أوباما شاقة وصعبة ومكلفة!.

وعلى وقع اشتداد هذا السجال الروسي - الأميركي والتشبّث كل بموقفه تجاه الوضع في سورية وتزامناً مع تصاعد لغة التهديد والوعيد ومع بدء مناقشات الكونغرس الأميركي تسود التكهنات بإمكانية التوصل إلى مخرج ما بعد نفي الجانب الروسي لوجود أية صفقة من دون علم الشعب السوري وبعد تأكيد كل الاطراف بأن حلّ الأزمة السورية لا يمكن أن يكون بعيداً عن طاولة مفاوضات.. كل هذا قد يشكل فرصة أخيرة تتبلور معالمها في الايام القليلة المقبلة للعدول عن هذا العدوان المفترض على سورية والتي تبدو فيه الولايات المتحدة مأزومة بالخروج منه وتحتاج لذرائع كثيرة تقدمها للعالم للعدول عنه .. وربما تصريح وزير خارجيتها يعبّر عن إمكانية التراجع في حال سلّم الرئيس السوري ما أسماه «الأسلحة الكيماوية» كلها أسباب تدفع للاعتقاد بإمكانية التراجع عن العدوان الذي فيما لو انطلق فإنه سيقلب معادلة السلام في الشرق الأوسط برمته.