أطفئوا محرّكاتكم، عطِّلوها... فجّـروها بعيداً من أبواب المساجد والكنائس. دمّروها عقاباً لها ورحمة بنا، وأريحوا البلد والناس من محرّكاتكم، وحركاتكم، وتحركاتكم، ومسؤولياتكم، ورهاناتكم، وأهوائكم، وانتماءاتكم. لقد أدَّيتم قسطكم للعلى، فناموا واستريحوا.

أعطاكم الله ألف عافية وعافية، وحيّاكم الله وبيَّاكم، بيًّض وجوهكم، ورفَع مجدكم، وعظَّم أجْرَكم، وشدَّ أزْركم، أيها الذين دفعتم بلبنان الى هذا الأتون المتأجّج بالنار والإنهيار الكياني والوجودي والأمني والسياسي والسلطوي والقانوني والإقتصادي والإجتماعي والسياحي والإداري. أَلاَ جزاكم الله خيراً في الدنيا كما في الآخرة وأسكنكم فسيح جنانه.

أنتم أيها المحرِّكون محركاتكم، ألَمْ تكفُّوا فتثوبوا إلى رحمة الله أو الى رهبة الدم في قصيدة الياس أبو شبكة وهو يُخاطب غلواء:

عشرونَ قلباً شربتِ مِنْ دمائِهِم وما شبِعْتِ، ولم يشبِعْكِ شربُ دمي.

ماذا فعلتم بلبنان؟ وماذا فعلتم من أجله، وقد أضحى وطناً قاصراً فاقد الهوية، مكتوم القيد، فوق سلطته سلْطَنَةٌ، وفوق حكمه حكام وملوك وتيجان، وفوق رأسه تاجٌ من الشوك؟

ماذ فعلتم بلبنان، وقد أضحى ولاياتٍ يحكمها القانون العثماني، وحكومات يحكمها رستم باشا، وفرنكو باشا، وداود باشا الأرمني، وواصا باشا الذي "يقوم من الموت إنْ رنّوا على ضريحه الفلوس"؟ وهل يظل لبنان رهينة لحكم الباشاوية وحكم المتصرفية، وحكم "رنّوا الفلوس على بلاط ضريحه؟"

وهل تريدون مجلس النواب شبيهاً بذلك الذي عيَّنه شكيب أفندي وزير الخارجية العثماني في كل من القائمقاميتين وبينهما طريق الشام؟

إذا سألتموني، أي لبناني اليوم، هو حرٌّ في وطنه، كريم في أرضه، صَيّنٌ في عرضه، هانيء في حياته، عزيز في شرفه، آمن في بيته، أمين على حياته، مطمئن الى ممتلكاته؟

لقلت لكم باسم هذا اللبناني، ما قاله الأديب والصحافي المصري ولي الدين يَكَن عن وطنه الشرق، يوم كان رازحاً تحت الإحتلال والذل والغلّ.. "الشرق وطني وأنا في الشرق غريب".

وإن سألتموني عن هموم الشعب في رحلة آلامه الطويلة وأعبائه الثقيلة، لقلت لكم: إن الشعب مسكون بالجنّ، معزول عن السماء، يركض متقطّع الأنفاس وراء قبَسٍ من الضوء، ويلهث ظمآناً خلف ماء الحياة، يسكن في غير أرضه، ويعيش في غير بيته، ويدفن في غير قبره.

ومع هذا... ماذا تنتظرون منّا أيها الذين كانت محركاتهم سبباً في هذا الدمار الشامل والإهتراء النازف؟ أتنتظرون أن نرشقكم بقوارير العطر وباقات الزهر كالجنود العائدين من الحرب مظفّرين؟ أو أن نقلّد صدوركم الملوّنة فوق انتفاخ البطون، بأوسمة الأرز من رتبة فارس مظفّر؟

إسمحوا لنا، لكي نرفع عنا الخطر ونستمر بسلام في الحياة، أن ننزع منكم محرّكاتكم، على غرار ما فعل الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى عبر معاهدة فرساي، حين قرّروا نزع السلاح من دولة المانيا، لأنها كانت وحدها المسؤولة عن الحرب، وكانت مصدر الخطر البربري على البشرية والسلام العالمي.