للمرّة الأولى في تاريخ الإفتاء في طرابلس، تطرح فكرة إقصاء مفتٍ عن منصبه واختيار بديلٍ منه. المفتي مالك الشعار يواجه سابقة من هذا النوع، والأسباب عديدة، تبدأ في عاصمة الشمال وقد لا تنتهي في عاصمة المملكة السعودية

عشرة اشهر تقريباً مرّت على مغادرة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار لبنان، عشية عيد الاستقلال عام 2012، الى باريس، بعدما تبلّغ تحذيرات من ضباط أمنيين، أثناء احتفاله بزواج ابنته، من أنه قد يكون عرضة لعملية اغتيال. لكن هذه الرواية التي ذكرها الشعار مراراً في مقابلات إعلامية أجريت معه في مقر إقامته القسري، وأكدتها مصادر أمنية، لم تذكر مصدر التهديد للمفتي ولا الأسباب، وبقي الأمر في دائرة التكهنات.

وخلال الأشهر العشرة الماضية، تراوحت مواقف الشعار بين تصريحات له تنفي تحديد أي موعد للعودة، وتأكيدات نسبت اليه ولمقربين منه «عودة قريبة» و«ترتيبات لحماية أمنه الشخصي». وقد كشفت مصادر أمنية وأخرى في دار إفتاء طرابلس، قبل استقالة الرئيس نجيب ميقاتي، أن الترتيبات «تقضي بأن يلازم المفتي منزله ولا يخرج إلا للضرورة القصوى، على أن ترسل كل المعاملات إليه لتوقيعها، ويفرز 10 عناصر من قوى الأمن الداخلي لحمايته».

إلا أن الشعّار لم يعد، وتردّد أنه تلقّى نصائح من مرجعيات سياسية وأمنية، لبنانية وغير لبنانية، طلبت منه التريث، خصوصاً بعد تفجيري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس في 23 آب الماضي.

وعلى قاعدة المثل القائل إن «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، فإن غياب الشعار عن طرابلس جعل وهجه يخفت، فلم يعد أحد في الظاهر يبدو مهتمّاً لعودته، إلى حدّ أن بعض المراقبين علقوا بأن «المواطنين في طرابلس يصلّون ويصومون، ولم يؤثر عليهم غياب المفتي في تأدية فرائضهم!». كما أن دار إفتاء طرابلس تعمل في شكل طبيعي، ويديرها أمين الفتوى الشيخ محمد إمام على «أفضل وجه» بالتعاون مع فريق عمل يساعده.

انطلاقاً من ذلك، طرح البعض فكرة انتخاب أو تعيين مفتٍ بديل عن الشّعار، خصوصاً أن غياب الشعار قد يطول، ولا يجوز إبقاء منصب مفتي «عاصمة السّنة» في لبنان شبه شاغر. وطرح أصحاب الفكرة أسماء بديلة للشعار، مثل الشيخ إمام نفسه، وآخرين كالمشايخ سمير كمال الدين وحسام سباط ومظهر الحموي ووليد علوش، والأخير كان قد نافس الشعار على المنصب في انتخابات 27 شباط 2008، والتي فاز بها الأخير بعد اصطفاف أغلب القوى السياسية خلفه. علماً أن هذه القوى نفسها عادت فاصطدمت معه جراء مواقفه السياسية. فالرئيس عمر كرامي، وهو صاحب فضل كبير في وصول الشعار الى سدّة الإفتاء ومناصب أخرى قبلها، صبّ وجماعته جام غضبهم عليه يوم استقبل في دار إفتاء طرابلس نائب القوات اللبنانية الراحل فريد حبيب. كما أن علاقة المفتي مع الوزير محمد الصفدي لم تخرج عن الرسميات. فيما اتسمت علاقته مع الرئيس نجيب ميقاتي بمدّ وجزر. ورغم مراعاته الشكلية لميقاتي كونه ابن مدينته. بقي الشعار «حريري» الهوى، وربطته بالرئيس سعد الحريري علاقات وطيدة.

غير أنه برغم العلاقة الحميمة التي ربطته بالحريري والرئيس فؤاد السّنيورة أيضاً، فإن أوساط «التيار الأزرق» في طرابلس لا تكنّ كثيراً من الودّ للشعار. وقال مصدر في التيار لـ«الأخبار» إن «كلّ يوم يمضيه المفتي خارج طرابلس لا يصبّ في مصلحته، كما أن أحداً لم يعد مهتمّاً لعودته».

هذا التراجع الكبير لدور الشّعار، بعدما كان يتطلع الى منصب مفتي الجمهورية خلفاً للمفتي محمد رشيد قبّاني، تردّه مصادر سياسية إلى عامل آخر، وهو أن الشعار «ذو نفس إخواني، وأنه فتح خلال تسلمه منصب إفتاء طرابلس الباب أمام محسوبين على الجماعة الإسلامية، إخوان لبنان، للإمساك ببعض مفاصل الدار. وبعد إطاحة الرئيس المصري محمد مرسي، وتراجع دور الأخوان في المنطقة إثر صعودهم السريع، والنقمة عليهم من قبل السعودية، يبدو أن الدور جاء على رجالهم، والشعار قد يكون أحد هؤلاء».