يعيد المشهد السياسي الراهن في لبنان، الذاكرة إلى مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 مروراً بعدوان العام 2006 وصولاً الى "الخامس من أيار" في العام 2008. وقتها راهن فريق "ثورة الأرز" على عدوانٍ خارجي يسقط سورية، ثم يجهز على منظومة المقاومة في المنطقة. فكان "عدوان تموز 2006" الذي خرجت منه المقاومة منتصرة، فخاب أمل الفريق المذكور، وقد وعد قادته ورعاتهم الإقليميون بمحاسبة قادة المقاومة الذين وصفوهم بـ"المغامرين"، فيما لو حقق العدوان هدفه. ومن المؤسف أن ما عجزت عنه "إسرائيل"، حاول فريق "ثورة الأرز" تحقيقه، فأصدرت حكومته الفاقدة للشرعية في الخامس من أيار من العام 2008 قراراً بنزع سلاح الإشارة التابع للمقاومة، وأدى هذا القرار "الأرعن" إلى إندلاع حوداث "7 أيار". ولكن يومها لم يجد الفريق المذكور أي طرفٍ خارجيٍ راهن عليه، لنجدته من ورطته أو مساندته على الأقل، والأكثر من ذلك أن بعض السفارات الراعية لهذا الفريق استكثرت عليه بيان "إدانة" أو دعم، وتركت هذا الفريق لقدره، إلى أن انتهت الأمور بـ"تسوية الدوحة" التي أدت إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وحققت الشراكة الوطنية في الحكومة، والتفاهم على إجراء انتخابات نيابية برعاية إقليمية وموافقة أميركية. وكان لقطر الدور الرئيسي في إتمام هذه التسوية، من خلال الاتصالات الدبلوماسية التي أجراها وزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم آل ثاني، وأبرزها كان بين الرياض ودمشق.

ومع اندلاع الأزمة السورية، لم يأخذ بعض فريق "ثورة الأرز" العبرة من الماضي القريب، فتورّط أمنياً في الأزمة المذكورة، وكاد أن يورّط معه لبنان فيها، ضارباً بعرض الحائط القوانين والمعاهدات التي تنظم علاقات لبنان مع الدول المحيطة في ضوء سياسة "النأي بالنفس" المعتمدة من الجهات الرسمية في لبنان.

أما اليوم، ومع بداية ظهور بشائر التفاهم الروسي - الأميركي لإنهاء الأزمة السورية والذي قد ينعكس على كل دول المنطقة، ويؤدي إلى تسوية شاملة لكل القضايا العالقة فيها، فلا يزال "الفريق السيادي" متمسّكاً بسياسة الارتهان للخارج، وينتظر تحوّلات إقليمية ويأمل في أن تعود واشنطن إلى خيار الضربة العسكرية لسورية. وعلى رغم بروز بداية مؤشرات التسوية، وانتصار محور روسيا - إيران - سورية، لا يزال "السياديون" على غيّهم، ولم يتلقفوا المبادرات الآيلة إلى معاودة الحوار، وفي مقدمها "مبادرة الرئيس نبيه بري" حتى الساعة.