تحيةً لروما (روما من تحت) على عهد الأمبراطور نيرون، الذي لم يرتوِ من ملحمة القتل، حتى قتل زوجته وقتل أُمَّهُ، وانتهى بإحراق روما، وكان مع هذا يؤمن بأنه شاعر خارق وفنَّان كبير.

مملكة الشعر والفنّ، دَمجَها القيصر الروماني في أمبراطورية العنف والدم، فالشاعر له شيطانه، والقاتل له شيطانه، وحامل الإزميل فنّان، وحامل الرشاش فنّان، وصانع السيارة مخترع، ومفخّخ السيارة مخترع أيضاً.

هذه الموجة النيرونية التي تحكّمتْ بالعالم العربي، بكل ما ابتدع العقل البشري من جهنميّات الفتك والإبادة والخطف والتهجير والترويع النفسي. وبقْر البطون هي حالة لم يشهدها مجتمع إنساني على هذا النحو من التخلّف البربري وهمجية الضمير.

في التطوّر الإنساني، من الهَوْل أن يتراجع التاريخ القهقري الى الوراء، وأن تتعرّى الحضارات من مضامينها الإلهية في شرعة حقوق الإنسان.

فكيف إذاً، وأنت لا تزال ترى بشراً عُراةً يسترون نصفهم الأدنى بالجلود المملَّحة. يُرْسلون ذقونهم واللِّحى، وفي أيديهم سلاح من الصوّان مربوط بالعصيِّ، حتى إذا ما تصفّحَتْ فصلاً من عصور ما قبل التاريخ فلا تعْجبُ كيف يخلق الله من الشبَه أربعين.

لقد شهد العالم مع إطلالة العصر الحديث فواجع مذهلة، بما عانت منه روسيا على عهد ستالين حين قضى بذريعة تهمة الخيانة على الألوف المؤلفة من معارضيه وبأبشع صور التصفية الجسدية والنفي والإعتقال.

ولم تكن ديكتاتورية هتلر أقلَّ "إنسانية"حين اقْتَحَمتْ أجهزة الأمن النازية بيوت المعترضين، فلم يبق لهم صوتٌ يُسمع، ولم يبقَ واحدٌ في أخدار هتلر، بل أصبحوا جميعاً في أخدار الله.

والسلسلة تطول كثيراً إذا ما شئت أن تضيف الى اللائحة الكثير من فظائع ستالين والأباطرة والسلاطين، وفق النظرية التي يفلسف بها الإلحاد الأديب الروسي دستويفسكي في كتابه الأخوة كارامازوف بالقول: "إذا كان الله غير موجود فكلّ شيء مباح". وسوف تعانق الأم الجلاد الذي أمر الكلاب بتمزيق إبنها".

يومها... لم يكن الله موجوداً في النفوس المتوثّنة، ولم يكن الفكر العربي قد تأثَّر بالمنطق الأرسطي في تفسير الوحي الإلهي وفق المنطلقات العقلية والإنسانية، بما عبّر عنه الفارابي وإبن سينا، أو كما أظهرت دعوة الشرع في بعض الآيات : "فاعتبروا يا أولي الأبصار".

أما اليوم فقد فرض الله على المؤمنين وجوده الساحق، فإذا هو موجود جداً على أسنّة الألسنة والسيوف، وإذا هم يمارسون عبادة القتل باسم الوجودية الإلهية، ويبتهجون وراء مواكب الجنازات وتشييع النعوش، ويغتالون الله في الإنسان الذي هو على صورته ومثاله.

في الكتب السماوية يقول لك الله... لا تقتل.

وفي الكتب المسيحية يعلّم اللهُ "محبة الذين يضهدونكم حتى الصلاة من أجلهم".

والشريعة الإسلامية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر: ومَنْ "قَتلَ نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً".

هكذا يقول الكتاب السماوي: ولأن الله قد أصبح موجوداً جداً، فلا مجال بعدُ لكتاب غريزة الأرض، ولم يبق أمام الأنبياء الكذَبة إلاّ الإختيار، إما بين هتلر وستالين، أو بين أحمد والمسيح.