عادت مصر الى الواجهة من جديد وهذه المرة من بوابة سيناء وليس من ميادين «رابعة» و»النهضة» لتعيد إلى الأذهان صور مطاردة «نظام مبارك» لفلول «الجماعات المسلحة» كما كانت تسمى والمرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر في تسعينات القرن الماضي.

«الحرب على الإرهاب».. هي العبارة التي يطلقها الجيش المصري في عملياته العسكرية والأمنية سواء في سيناء او في كرداسة والتي أثبتت أن التنظيم المسلح والعمل العسكري ضد القوات المسلحة المصرية قد اتخّذ بعداً آخر والدليل هو المواجهات الشرسة التي يقابل بها الجيش المصري ما يطرح السؤال هنا عن تلك الدول التي تدعم هذه الجماعات وتمولها وإن كانت التسميات أصبحت معروفة في خضم هذا الانقسام الواضح في المواقف الخليجية وتحديداً من ظاهرة «حكم الإخوان» في المنطقة ككل والذي لعبت التجربة المصرية فيها أبلغ الأثر في الحكم على الإخوان «بالمراهقة» في تولي شؤون وإدارة الحكم.

لم يقتصر التدخل الخليجي على الشأن المصري بل دخلت الولايات المتحدة أيضاً على خط الأزمة وبقوة نظراً إلى خصوصية العلاقة مع الجيش المصري الذي يتولى الحكم حالياً حيث ترجع هذه العلاقة إلى منتصف القرن الماضي من حيث عقود التسليح وتدريب القيادات العسكرية فيها ناهيك أيضاً عن المساعدات الاقتصادية السنوية لمصر.. وكل ذلك شرط عدم تجاوز التقديمات والمساعدات المقدمة إلى الحليفة «إسرائيل»!.

إلا أن الموقف الأميركي تجاه أحداث مصر والذي بدا مربكاً شأن كل مواقف إدارة أوباما تجاه مشاكل الشرق الاوسط قد أفرز انقساماً او على الأقل تبايناً واضحاً بين الإدارة العسكرية الأميركية وبين جهاز الاستخبارات الأميركية لاعتبارات عدة. فقد أرسل الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الجيوش الأميركية المشتركة فريقاً من الضباط للاجتماع بالجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر للتباحث في شأن الأزمة الراهنة في بلاده وإقناعه بضرورة التوفيق بين رأي الإدارة السياسية في واشنطن والتي تصر على ضرورة إيجاد حل إيجابي لقضية الإخوان والقاضي بضرورة إشراكهم بالحدّ الأدنى في العملية السياسية والابتعاد عن إقصائهم بالمطلق - نظراً للقاعدة الشعبية التي يتمتعون بها- وهو ما تؤيده أجهزة الاستخبارات الأميركية والذي يختلف عن توجه المؤسسة العسكرية الأميركية التي تدعم إبعاد الإخوان تماماً عن السلطة في مصر نظراً لما يشكلونه من خطر استراتيجي على المصالح الأميركية في المنطقة وبالأخص الجارة «إسرائيل»!.

وقد ناقش الوفد العسكري الأميركي ايضا مدى ارتباط المؤسسة العسكرية المصرية ببعض دول الخليج وتحديداً السعودية والتي كان لها موقف لافت من حكم الإخوان في مصر وفي دعم الجيش المصري أيضا لاعتبارات كثيرة أهمها أن الإخوان يمثلون رؤية للإسلام تختلف عن تلك التي تمثلها المملكة وهنا كان الاختلاف الأول مع الإدارة الإميركية بالنظر للموضوع المصري وقد عزز هذا التوجه فشل الإخوان وعزلتهم الداخلية بعد وصولهم للحكم ما ساعد المملكة على حسم خيارها في دعم إخراجهم من الحكم فضلاً عن أن استقرار مصر بالنسبة لها يعتبر مصلحة استراتيجية عليا لا تحتمل انهيارها بعد «تضعضع» الوضع في دول مجاورة لها مثل العراق وسورية واليمن ما يجعلها مكشوفة أمام كل المخاطر التي يمثلها المحور الاخر- تحديداً إيران والتي لها موقف مغاير براغماتي من حكم الإخوان في مصر.

لعبت علاقة السعودية مع الجيش المصري دوراً هاماً في صياغة هذا الموقف وهي علاقة تعود إلى حوالى أربعين سنة من الثبات والاستقرار إبان حكم أنور السادات ومبارك بعده ناهيك عن أنها رأت في الجيش المصري قوة لا يستهان بها في فرض الأمن في البلاد بعد فشل الإخوان في ذلك.

هذا الاختلاف في الموقف بين المملكة العربية السعودية وبين مشروع «الإخوان» يفتح النقاش أمام الخلاف العقائدي السني السني بأجنحته المختلفة الإخوان ودستورهم في الحكم والحياة والسلطة والشرع.. وبالمقلب الآخر المملكة والخط السلفي الوهابي الذي تدعمه - والمختلف في الرؤية والأداء والذي وصل حدّ الاقتتال والتصفية بوجه الآخر.

أمام هذا الواقع يطرح التساؤل حول الدور الأميركي على الساحة المصرية والذي يبدو مهادناً تجاه العسكر المصري ومحتاجاً للوجود الإخواني حيث اعتبرت خسارة مرسي أكبر من خسارة مبارك في دعم بعض التوجهات وليس مستبعداً أن يتخذ قرار بإبقاء حالة الشلل الاقتصادي والسياسي مسيطرة ما يشغل مصر في قضاياها الداخلية ويحدّ من تأثيرها الإقليمي إلا أن التماسك الذي تبديه المؤسسة العسكرية المصرية وعدم الإذعان للضغوط الاميركية - التي يبدو أنها فشلت في مناوراتها الدبلوماسية ولم تنجح بكسب دور الوسيط والتأثير في القرار المصري ومواجهة التقدّم للدور السعودي على الاقل لقرارات الملك السعودي الداعم للجيش المصري والذي ربما قد لا تتلاقى مع دور الاستخبارات السعودية بهذا الخصوص فالجيش يبقى حالياً هو الضامن الوحيد لتماسك الوضع الداخلي في مصر!.

الخاصرة المصرية من جهة سيناء يتم استنزافها بقرارات دولية وإقليمية تمثل «حماس» أحد وجوهها المستورة التي تستثمر كل خصوصية العلاقة الجيو- استراتيجية مع مصر لتنفيذ أجندة بدأت مصر تدفع ثمنها غالياً من استقرارها ومكانتها ومن اقتصادها ولقمة عيشها التي تبدو أنها ستشكل عنصر الضغط.. بعد الإرهاب في المرحلة المقبلة.