منذ بداية الأحداث السورية، تثار العديد من علامات الإستفهام حول الشعارات التي يرفعها المقاتلون في صفوف مجموعات المعارضة المسلحة، لا سيما تلك التي بدأت تثير اشمئزاز الجمهور منها، بعد أن اعتقد الكثيرون أنها تخوض المعارك العنيفة دفاعاً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

"الثورة" السورية ليست الأولى من نوعها على الصعيدين العربي أو الدولي، لكن القضايا الجنسية التي أثيرت حولها تكاد لا تُعد ولا تحصى، وبدأت تثير المتاعب داخل الدول التي دعمت شعوبها هذه "الثورة"، التي باتت تنحصر في وسائل الإعلام بالحديث عن "السبي" و"جهاد النكاح".

ثورة جنسية ونكاح؟

على الرغم من محاولة بعض الجهات في قوى المعارضة السورية إنكار وجود هذه الحالات على أرض الواقع، تؤكد الكثير من المعطيات العكس، ولا تستطيع هذه القوى أن تدعي أن من يقوم بها لا ينتمي إليها لنفي التهمة، بدل الذهاب إلى معالجة المشكلة التي تتفاقم يومياً.

وفي هذا السياق، لا ينكر عضو "الإتئلاف الوطني السوري" المعارض ​عبد الأحد اسطيفو​ وجود بعض الممارسات الفظيعة التي تردّ البلاد إلى مرحلة القرون الوسطى، لكنه يشير إلى أنها لا تزال منعزلة من الممكن السيطرة عليها، إلا أنه يرى أن هذه الحالات التي تعبّر عن تطرف خطير لدى البعض من الممكن أن تتفاقم أكثر في حال استمرار الواقع على ما هو عليه.

ومن جهة ثانية، يربط اسطيفو، الذي ينطلق في حديثه لـ"النشرة" عن هذا الموضوع من قراءة الأوضاع السياسية على الساحة السورية، بين هذه الحالات والسعي إلى فرض تسويات سياسية غير مقبولة من وجهة نظره، ويشدد على أن هذه التصرفات تسيء جداً إلى "الثورة" التي تتعرض إلى حملة واسعة من أجل حرفها عن مسارها، ويسأل: "هل خرج أطفال درعا من أجل المطالبة بتوقيع سوريا على اتقافية حظر الأسلحة الكيميائية أو من أجل المطالبة بحهاد النكاح والسبي؟"

من جانبه، يفضل المستشار السياسي والاعلامي لـ"الجيش السوري الحر" ​لؤي المقداد​ التعاطي مع هذا الموضوع بطريقة مختلفة، من خلال الإشارة إلى أن قوى المعارضة تتعامل مع هذه الأنباء على أساس أنها فرقعات إعلامية موجودة في مخيّلة النظام فقط، ويشدد على أنها خارجة عن قيم وأخلاق الشعب السوري.

ويؤكد المقداد، في حديث لـ"النشرة"، رفض جميع الممارسات التي تسيء إلى حقوق الإنسان والمرأة والطفل، ويرفض الكلام الصادر عن مسؤولين تونسيين يؤكدون فيه عودة بعض النساء حوامل من سوريا بسبب ممارستهنّ "جهاد النكاح"، ويعتبر أن ذلك لا يشكل دليلاً، لكنه يؤكد إدانة هذه الحالات في حال حصولها.

الأوضاع السياسية تنعكس عليها

على صعيد متصل، يعتبر اسطيفو أن النظام السوري من أكثر الجهات المستفيدة من هذا الواقع، بالإضافة إلى بعض الجهات التي تعمل على تضخيم هذه الظواهر، ويشير إلى أن "الإئتلاف" أبلغ الدول الكبرى خلال أحد الإجتماعات أن هناك مخاطر عديدة بسبب الصمت والتردد الدولي حيال ما يحصل، ويلفت إلى أن من بين هذه المخاطر أن النظام سوف يقدم أكثر على استخدام القوة بسبب غياب الرادع، بالإضافة إلى نمو الحركات المتطرفة التي باتت تجد لها بيئة حاضنة في بعض الأماكن، ناهيك عن انعكاس هذا الأمر على الإستقرار في المنطقة الذي بدأ يرتدّ على البلدان المجاورة.

من جانبه، يثير المقداد الكثير من علامات الإستفهام حول مجموعات تدعي أنها تنتمي إلى المعارضة السورية، حيث يرى أن تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" يقدم الخدمات المجانية إلى النظام لأسباب غير معروفة، ويلفت إلى أنها في الكثير من الأفعال تخرج عن أهداف "الثورة".

ويشدد المقداد على أن أي حالات شاذة تحصل لا يتبناها "الجيش السوري الحر" لا بل هو يدينها، ويكشف عن اجتماع حصل خلال الأسبوع الماضي لقيادات هذا الجيش تم التأكيد فيه على أن هذه الحالات غير موجودة داخل الفصائل التابعة له، ويعتبر أن هناك الكثير من الفصائل، على رأسها "​داعش​"، التي كان يقال عنها أنها لا تعمل تحت مظلة "الحر"، لكنه اليوم يعتبر أنها من خلال أفعالها لا تعمل تحت مظلة "الثورة".

في المحصلة، هناك حالة غريبة لا يمكن أن تستمر قوى المعارضة السورية على طريقتها في التعامل معها، حيث لا تكون معالجة المشكلة بالإنكار أو من خلال القول أن بعض المجموعات التي تقاتل معها تابعة للنظام عند إثارة التساؤلات حول أفعالها، وفي حال الإستمرار على هذا المنوال ستجد "الثورة" نفسها ساقطة أخلاقياً قبل أن تسقط سياسياً أو عسكرياً.