في ظل الحديث عن الإعداد لخطة أمنية تطبق في مدينة ​طرابلس​، تكون شبيهة بتلك التي طبقت في منطقة الضاحية الجنوبية، كان من اللافت حديث رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ عن بحثه مع وزير الداخلية والبلديات مروان شربل في إمكان إنخراط المسلحين في مؤسسة قوى الأمن الداخلي، لا سيما أن هناك دورة قريبة لتطويع ألفي عنصر في المؤسسة.

ما طرحه ميقاتي في هذا السياق ينطلق من فكرة تأمين فرص عمل لهؤلاء المسلّحين، ويستند إلى التجربة التي حصلت مع الميليشيات بعد الحرب اللبنانية، لكن هل من الممكن تطبيق هذا الأمر اليوم، وهل يقبل المسلحون أصلاً بالإنضواء تحت سلطة الدولة؟

تكريم الخارجين عن القانون!

منذ طرحت الفكرة من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال، أثارت الأوساط الطرابلسية علامات الإستفهام حولها، لا سيما أن هذا الأمر يعني من حيث المبدأ، أن من كان يعبث بأمن المدينة، طوال الفترة السابقة، سيكون هو المولج بتطبيق القانون فيها في الفترة المقبلة، وقد يكون "قادة المحاور" حالياً رؤساء المخافر فيما بعد.

وفي هذا السياق، لم تُبدِ مصادر متابعة إرتياحها لهذه الفكرة، لا سيما أنها ستكون بمثابة مكافأة لهؤلاء المسلحين على ما قاموا به على مدى السنوات السابقة، في حين أن هناك العديد من مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم، وبالتالي من المفترض تطبيقها سريعاً بدل تسليمهم أمن المدينة بصورة شرعية.

من جهة ثانية، تشير المصادر إلى أن "هناك حالة خطيرة ينبغي التنبه إليها، وهي العقيدة الدينية التي يحمل هؤلاء المسلحين السلاح من أجلها، خصوصاً أنهم قد يكلفون في مهام خارج مناطقهم"، وتضيف: "حتى الساعة لا نفهم كيف سيكون من حمل السلاح بوجه القوى الأمنية في الكثير من الأحيان جزءاً منها".

من جانبه، لا يبدي قائد الدرك السابق العميد أنطوان شكور سعادته بالفكرة، خصوصاً أنه سيكون لها تداعيات خطيرة على مؤسسة قوى الأمن الداخلي، ويعتبر أنّ "المجموعات المسلحة ستتمكن في هذه الحالة من خرق الأجهزة الأمنية بدل أن تسعى هي إلى خرقها".

ويثير العميد شكور، في حديث لـ"النشرة"، الكثير من علامات الإستفهام حول طريقة تطبيق هؤلاء للقانون، لا سيما أن مهامهم قد تتطلب قيامهم بعمليات دهم لمنازل المواطنين، في حين أن رجل الأمن يجب أن يتمتع بالسلوك الحسن والأخلاقيات العالية والنزاهة، كون المسؤوليات الملقاة على عاتقه كبيرة وخطيرة جداً.

ماذا يقول "قادة المحاور"؟

بغض النظر عن موقف الحكومة والأجهزة الأمنية من هذا الإقتراح، الذي قد يكون من الصعب تطبيقه من الناحية المبدئية، لدى "قادة المحاور" في طرابلس رأيهم في الموضوع، لا بل شروطهم حتى على الخطة الأمنية التي ستطبق في مدينتهم، لا سيما بعد أن شعروا أنهم أصحاب سلطة القرار فيها.

في هذا السياق، يرحب أحد "قادة المحاور" زياد علوكي، عبر "النشرة"، بالخطة الأمنية التي يجري الإعداد لها، ويؤكد أن "الدولة موجودة في كل مناطقنا"، لكنه في المقابل يطالب بـ"انتشارها في كل المناطق لأن الكيل بمكيالين أمر مرفوض".

بدوره، يؤكد أبرز "قادة المحاور" ​سعد المصري​ التجاوب مع الخطة الأمنية، ويشير إلى أن "المواطنين يريدون الإنتهاء من الوضع القائم"، لكنه يلفت إلى "أننا لا نعلم حتى الساعة ماهية هذه الخطة"، ويضيف: "نحن مع الانتشار الأمني واقامة الحواجز وضبط الأمن لكن نزع السلاح لا يمكن أن يحصل قبل أن يتم نزع سلاح حزب الله، لا سيما أن لدينا مخاوف من قيامه باجتياح مناطقنا في حال حصول ذلك".

أما بالنسبة لقرار الإنضمام إلى الأجهزة الأمنية يختلف علوكي والمصري حول هذا الأمر، حيث يرحب الأول بشكل سريع بالخطوة، ويعتبر أن ميقاتي هو زعيم مدينة طرابلس، ويقول: "بصراحة الزعامة لا تليق إلا به فهو الذي يتابع مشاكلنا"، ويشير إلى أن "أبناء المدينة يحتاجون إلى الإنماء قبل كل شيء، لا سيما أنهم ليسوا من هواة حمل السلاح ولا هم مجرمين"، ويضيف: "حملنا السلاح من أجل الدفاع عن أنفسنا وهذا واجب شرعي".

الترحيب الواسع لدى علوكي لا يؤكده المصري، في حديث لـ"النشرة"، حيث يشير إلى أن "القرار بهذا الأمر لا يستطيع أن يأخذه منفرداً"، ويلفت إلى أنه "يحتاج إلى بحث من قبل لجنة المنطقة لأخذ القرار المناسب".

في المحصلة، قد يكون رئيس حكومة تصريف الأعمال يعتمد في مبادرته على حسن النية، لكن من يضمن عدم استمرار هؤلاء المسلحين في أفعالهم في المستقبل بغطاء شرعي؟ وهل من الممكن الموافقة على دخول من رفع السلاح بوجه الأجهزة الأمنية اليها اليوم؟