إستحقاق قديم - جديد يقترب من أبواب الدولة اللبنانية، ويمكن القول أنه، ورغم التصريحات الفضفاضة ومرجلات بعض المعنيين الذين يحاولون، ولو في الشكل، الوقوف بوجه إتمامه، بات لدى اللبنانيين أمراً روتينياً يتجدد بشكل عادي: إنه إستحقاق تجديد عقد شركة ​سوكلين​ المتوقع أن يكون أحد أول الملفات التي ستنتظر الحكومة المقبلة متى تشكلت.

قصّة الدولة وسوكلين قصّة "شيّقة"، بدأت بـ"شكل طارئ" عام 1997 وذلك لمدة 10 سنوات، كان يمكن خلالها للدولة اللبنانية فسخ العقد مقابل جزية مادية بقيمة 30 مليون دولار.

عام 2004، وقبل 3 أعوام من انتهاء العقد، دعا وزير البيئة آنذاك فارس بويز إلى فسخ العقد ودفع الجزاء لكن أمين عام مجلس الوزراء سهيل بوجي وضع ذلك في "الجارور" ولم يعرضه على الحكومة. وفي الواقع، وفق مصادر مطلعة، فإن الوزير بويز تشجعّ آنذاك على اتخاذ هذه الخطوة لأن السعر الذي تدفعه الدولة للشركة مقابل ما تقوم به كبير جداً، وبالتالي فإن دفع الجزية وتفادي الدفع السنوي للمبالغ الطائلة كان يمكنه أن يكون مخرجاً.

وخلال مكوث الملف نائمًا، حدث ما حدث من أوضاع أمنية في البلاد، ومن ثم أتت حكومة نجيب ميقاتي وكانت حكومة الإنتخابات ولم تبحث في هذه الملفات، وأتت من بعدها حكومة فؤاد السنيورة التي عيّنت حينها يعقوب الصراف وزيراً للبيئة، الّذي عمل على خطة شاملة للنفايات ووافق عليها مجلس الوزراء وأحالها إلى مجلس الإنماء والإعمار لتنفيذها، إلا أن الأخير لم ينفّذ أي شيء منها، وفق المصادر. أما خطوط هذه الخطة العريضة فهي: جمع، فرز، إعادة تدوير، تسبيخ، طمر صحي، مع محطات تحويل في كل قضاء.

ماطل المعنيون بالتنفيذ إذاً حتى أتى استحقاق تجديد عقود سوكلين، فتجددت العقود لمدة 3 سنوات، مستفيدين من استقالة الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة، وبالتالي، لم يكن بإمكان الوزير الصراف استخدام حق الفيتو والإعتراض على هذا التجديد.

وبذلك، تجددت العقود من الـ2007 حتى الـ2010، وفقاً للأسعار ذاتها التي كانت معتمدة في الـ1997. وترى المصادر في ذلك خدعة كبيرة للشعب اللبناني ككل: فإما كانت سوكلين تطلب أموالاً طائلة في الـ97 من الدولة أو إنها قبلت عرضاً بسعر بخس جداً في الـ2007 إذ لا يمكن أن تكون الكلفة هي ذاتها بعد 10 سنوات ومقابل الخدمة عينها.

عام 2009، ابّان فترة حكومة سعد الحريري، عيّن محمد رحال وزيراً للبيئة، من تيار المستقبل، لكي يوقع عقد سوكلين في الـ2010، فجُدد العقد لثلاث سنوات... وصدر قرار بتأليف لجنة لدراسة بدائل خطة الـ2006 التي لم تنفذ أساساً، ولجنة أخرى لمناقشة سوكلين في أسعارها. وتم إعداد خطة شاملة لإدارة ​النفايات​ في نهاية العام 2010، واليوم يتم مناقشة اقتراح قانون لإدارة هذه النفايات مستنداً على خطة الـ2010، وقوامه 4 محارق ومطامر صحية، وذلك لدى اللجان النيابية المشتركة.

إلا أن المصادر تتوقع أن تطول هذه المشاورات والمباحثات بين اللجان حتى تطل علينا سنة 2014، فيطرق استحقاق التجديد الباب، مشيرة إلى أن "وزير البيئة الجديد سيكون بالطبع وزير التجديد كالعادة بحجة أن اللجان لم تقرر مسار الخطة الشاملة للنفايات أو لأي حجة أخرى... فالسبب لا يهم".

للأسف، فإن الدولة اللبنانية ما زالت تتعامل مع ملف النفايات وكأنه ملف مربك ومكلف علماً أنه قد تحول في عدد كبير من بلدان العالم إلى ملف منتج وداعم للدخل القومي. فالنفايات الصلبة 3 أقسام: نفايات عضوية، وهي نفايات يمكن تحويلها إذا تمت معالجتها إلى سماد قد يستخدم في المناطق التي تعاني من تصحر في لبنان وبالتالي تحل مشكلة من مشاكلنا البيئية الكثيرة، أو قد يستخدم أيضاً في الزراعات العديدة. والقسم الثاني مواد غير عضوية، يمكن إعادة تدوير معظمها وبالتالي الإستفادة من تلك المواد بدلاً من شراء مواد أولية للصناعات المحلية، أما فقط 5% من النفايات الصلبة، وفقاً لدراسة أعدتها وزارة البيئة عام 2010، هي نفايات غير قابلة لإعادة التدوير أو للإستفادة منها وهذه النفايات يصار إلى طمرها بشكل صحي... فالإتجاه الدولي اليوم هو إعتماد الإستفادة من النفايات وليس حرقها لأن حرق النفايات بات اليوم بمثابة حرق الأموال بالإضافة إلى الضرر الصحي الكبير جداً الناتج عن المحارق.

الحل وفقاً للمصادر يقتضي بأن تتعامل الدولة مع ملف النفايات كما تعاملت مع الخليوي. أي، أن تدير الدولة المسألة لفترة محدودة تكون خلالها قد سنحت المجال لمناقصات بين شركات عالمية، ومن ثم تسليم هذه الشركات دور إدارة النفايات، وهكذا تتحول النفايات إلى قطاع منتج للخزينة اللبنانية.

أما المطامر فتبقى حاجة ولو مهما اتخذت الإجراءات، لكنها حاجة لـ5% فقط من النفايات وليس بالشكل الموجودة فيه حالياً. أما كل ما تبقى فهو كنز يمكن أن يدخل أموالاً كثيرة لخزينة الدولة من خلال إعادة التدوير أو من خلال إنتاج الأسمدة.

وتذكر المصادر الشعب اللبناني أن النفايات هي ملك له، وبالتالي، فإن على الدولة اللبنانية أن تقرر ماذا تفعل بها. إلا أن سوكلين فقد أنتجت معملاً لصناعة البلاستيك من النفايات اللبنانية في وقت يستورد المصنّع اللبناني البلاستيك من الخارج. وتقوم الشركة بإعادة تدوير 10% كحد أقصى من النفايات، أما ما تبقى منها فترميه في المطامر. وتتوقع المصادر، في حال فكّ عقد سوكلين، أن يصبح في لبنان مواد أولية كثيرة للصناعات المتنوعة. لكنها تستبعد حصول ذلك لأن "الجهات المستفيدة سياسياً ومادياً "ستستقتل" على وزارة البيئة في الحكومة المقبلة.