فيروس التفكك الأسري يضرب عدداً كبيراً من العائلات اللبنانية، حتى بات الطلاق بنسبه المرتفعة لدى مختلف الطوائف والمذاهب شغل المحاكم الروحية وشاغلتها في الآونة الأخيرة.

أسباب تفشّي هذا الفيروس قد تكون عديدة أما عوامل انتشاره السريع فتشكل بحد ذاتها ظاهرة إجتماعية جديدة، لا تضرب فقط العاصمة والمدن المجاورة بل وصلت أيضاً إلى البقاع حيث يلاحظ ارتفاع نسب الطلاق، وأكثر من 75% من الحالات سببها "تويتر، وفايسبوك وواتساب... وتوابعها من وسائل التواصل الحديثة"، بحسب قاضي البقاع الشرعي الشيخ عبد الرحمن يوسف شرقيّة.

"بدا تفلّ تفلّ!"

في البقاع كما في باقي المناطق اللبنانية، ليس من الصعب إيجاد دعاوى قضائية بين زوجين على خلفية رسالة خطية من هنا أو صورة مرسلة من هناك، أو حتى بسبب تمضية الوقت على مواقع التواصل الإجتماعية بشكل مفرط. فآيات ن. وابراهيم ص.، المتزوجان منذ 10 سنوات ولديهما 3 أولاد، انفصلا منذ شهرين بسبب الأحاديث التي رآها الزوج بين زوجته وأصدقائها على "تويتر". فآيات تروي لـ"النشرة" أنها "تحب الإنترنت كثيراً وتبحر يومياً 5 ساعات على تلك المواقع" مما أثار مشاكل عدة مع زوجها، أما ابراهيم فيؤكد أنه نبهّها مرّات عدّة ولم تستجب، "وفي النهاية، اطلعت على الأحاديث، فرأيتها غير أخلاقية، وأخذتها إلى المحكمة... والآن أريد الطلاق منها ولن أعيدها إلى منزلي أبداً".

ما زالت الدعوى في المحاكم اليوم بانتظار قرار القاضي في وقت تعيش فيه آيات بعيدة عن أولادها منذ شهرين.

وفي السياق نفسه يعاني كل من طارق أ. وذكريات ش.، المتزوجان ولديهما طفل عمره 5 سنوات، من المشاكل عينها، وقد وصلت الأمور بينهما أيضاً إلى المحاكم. أما السبب، فهو تمضية الزوج ليالٍ عدّة على الـ"فيسبوك"، إلى جانب اطلاع الزوجة على أحاديث غرامية بينه وبين امرأة أخرى عبر الهاتف. وتوضح ذكريات أن زوجها اتهمها بأنها تتحدث مع الناس بطريقة غير أخلاقية على الإنترنت ليخفف التهمة عنه، لكنها ادعت عليه في المحكمة لوضع حد لهذا الموضوع. وتشدد على أنها "لا تريد الطلاق بل تحسين معاملته معها". أما طارق فيقول: "إذا بدا تفلّ تفل... أنا ما بترك أصحابي على الإنترنت"، مشيراً إلى أنه حاضر للطلاق إذا أرادت ذلك.

940 دعوى طلاق الآن والحبل على الجرار

هكذا إذا، تتفكك عائلاتنا اليوم، والمعالجة بحسب الشيخ شرقية تكون بتحصين المجتمع، "وهذا ليس شعاراً بل يجب تأهيل الأمهات، إذ إن الأم ليست "ولاّدة" إنما مربيّة"، ويشير إلى أن "فساد الأخلاق في المجتمع وانحطاط المستوى الثقافي والعلمي، وانعدام المسؤولية بين الأبوين، كلها عوامل جعلت الناس يفتشون فوجدوا المتنفس بوسائل التواصل الحديثة... إذا الفساد موجود في النفس فوجد له متنفّسًا، مما سرّع الأمور بشكل كبير".

ويشرح الشيخ شرقية أن "الطلاق قد كثر بشكل لافت للنظر في منطقتنا، ونحن في العطلة القضائية لم نعطل يوماً واحداً بل كنا نداوم 5 أيام في الأسبوع، وعندنا ضغط قوي جداً، وبين أيدينا 940 دعوى تقريباً، أكثرها نتيجة هذا النوع من الخلافات"، موضحاً "أننا كنا نظن أن الخلافات سببها الوضع الإقتصادي وعدم قناعة الزوجين، وفي بعض الأحيان بسبب تدخل الأهل وعدم ثقافة الزوجين، أو أنها تعود إلى الظروف السياسية المحيطة التي تجعل الطرفين في حالة توتّر وافتراق، وقد نلقي باللائمة على الأهل المحيطين والبيئة التي تحضن الزوجين إذ لم تكن بيئة مهيئة لتخفيف أعباء الحياة عنهما، لكننا في الآونة الأخيرة فوجئنا بأن ثورة الإتصالات التي حصلت في العالم أدت إلى أكثر من 75% من أسباب الطلاق".

ويعتبر أن "هذه الإتصالات عبر الهواتف والخدمات التي تقدمها ​الهواتف الذكية​، وتبادل الصور والأحاديث وقراءة الرجل للمرأة وقراءة المرأة للرجل فيعرف أين مكمن الضعف عندها... بالإضافة إلى النكات والصور والكلمات التي تتجاوز كل حواجز الحياء فتحت الباب أمام كثيرين إلى فعل الرذيلة وارتكاب المحرم والتحلل وممارسة الحياة بشكل بعيد عن القيود الخلقية والدينية"، لافتاً إلى أن "هذه المصيبة الكبرى تنذر بتفكك الأسرة في الوقت القريب". ويقول: "نحن لا نستطيع أن نجاري الغرب في الصناعة، لكننا نفوق عليه بالأسرة، فإذا خسرنا الأسرة أصبح لا قيمة لوجودنا، فلم يبق لنا أي حصن نتحصن به سوى الأسرة". ويشدد على أن "الأسرة هي الحصن المنيع التي يمتاز به العرب والمسلمون، فإن خرق ولم يوجد من يرممه فهو قابل للإنهيار، فنقطة الفساد قد تتوسع إذا لم تحاصر".

ويؤكد الشيخ شرقية ان "هذا الإتصال إن وظف في الخير فجزى الله تلك الأيدي التي وظفته، وإن وظّف بالشر، كان له أثره المدمّر والخطير، لذلك مجتمعنا الآن يرزح تحت عدّة عوامل خطرة: تفكك الأسرة، غياب المسؤول عن البيت الذي هو الأب، وإهمال المرأة لدورها كأم".

إذاً، ما يفوق الـ75% من حالات الطلاق في البقاع سببها الظاهر هذا الإتصال الذي يوظف بشكل غير صحيح والذي يستخدم كمتنفس أو كوسيلة ودليل على الخيانة الزوجية ولو اقتصرت الأمور فقط على العالم الإفتراضي. فمن البقاع يوجه الحريصون على أهمية الحفاظ على الأسرة نداءً لإعادة تحصين عائلاتنا وأسرنا: فوسائل التواصل ليست سوى أداة ينتشر من خلالها الفساد الموجود في النفس بشكل أسرع... فالتحدي إذاً لا يقتضي بوقف استخدام هذه الوسائل أو تقليص اللجوء إليها بل لتوظيفها بشكل صحيح من جهة، وتنقية المجتمع من الأسباب الفعلية لفساده من جهة أخرى... لكي تبقى الأسرة اللبنانية صامدة.