بسحر ساحر وبتوقيع وختم، قرر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ​مروان شربل​ أن يتخطى مجلس شورى الدولة ومجلس ​بلدية بعبدا​ وأن يضم جزءاً من الأراضي التابعة إلى بلدية بعبدا للحازمية.

ففي 25 أيلول الماضي، صدر القرار 1728 المخالف للقانون لأنه يتخطى الدعوى القضائية العالقة بين كل من بلدية بعبدا و​بلدية الحازمية​ في هذا الصدد، وبالتالي، فهو يشكل تخطّياً للسلطة القضائية من قبل الوزير.

فالخلاف الناتج عن حدود الحازمية وبعبدا عمره سنوات عدّة، إذ إن مسألة رسم حدود الحازمية بدأت في ستينيات القرن الماضي حين تم إقرار فصلها عن بلدية بعبدا بعدما كانت تاريخياً أحد أحيائها، وإعطائها حدوداً معينة حددت في خريطة موقعة من وزير الداخلية آنذاك كمال جنبلاط. إثر تلك الفترة، بدأت بعض المشاكل بين شرطة البلدية التابعة للحازمية وتلك التابعة لبعبدا على مسألة النطاق البلدي.

وبقيت الأمور على حالها حتى 13 نيسان 1999، حين قرر وزير الداخلية الأسبق ميشال المر إصدار قرار، لإعادة تحديد نطاق بلدية الحازمية وبلدية بعبدا-اللويزة، وقد ضم القرار إلى الحازمية مساحات إضافية عن خارطة 1970 دون أخذ موافقة المجلس البلدي، علماً أن "هذا أمر مخالف لأحكام القانون المتعلق بالبلديات"، بحسب المستشار القانوني لبلدية بعبدا المحامي بشارة عماطوري.

في ذلك الحين لم يكن هنالك مجلس بلدي في بعبدا، فاجتمع بعض الأهالي وتقدموا بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة طعناً بالقرار الوزاري، وحين انتخب مجلس البلدية تقدم بطلب تدخل بالمسألة وأخذها على عاتقه.

تم البت بالطعن بعد 9 سنوات، وبعد أن طلب مجلس شورى الدولة مراراً من وزارة الداخلية تقديم نسخة عن الخريطة والعوامل الجغرافية والديمغرافية التي أدت إلى اتخاذ القرار عام 1999، إلا أن الدولة لم تؤمن شيئاً بعد مرور سنوات ولم تسلّم أي مستند.

وفي 6 أيار 2008 صدر القرار - وقرارات مجلس شورى الدولة تصدر مبرمة أي نهائية وغير قابلة للطعن- وقضى هذا القرار بقبول المراجعة شكلاً وأساساً وبقبول طلب تدخل بلدية بعبدا وإبطال قرار الوزير المر، وبالتالي تثبيت الحدود كما كانت عليه أيام جنبلاط.

هذا الأمر دفع ببلدية الحازمية في 24 تشرين الثاني 2008، إلى تقديم مراجعة اعتراض الغير على قرار مجلس شورى الدولة لدى المحكمة عينها، وطلبت وقف تنفيذ القرار المبرم. وعلماً أنه لا يمكن وقف تنفيذه، "حصل ذلك نتيجة ضغوطات سياسية"، وفق ما أكد رئيس بلدية بعبدا السابق أنطوان الخوري حلو، الذي كان آنذاك متابعاً للملف. وهذه المراجعة ما زالت حتى اليوم قيد النظر ولم يبت بها سلباً أو إيجاباً.

يعتبر عماطوري أنه، وعلى أي حال، كان يجب لهذه المراجعة أن ترد لأنها خاطئة بالشكل وذلك لعدة أسباب قانونية، شارحاً أن "قرار المر كان يضم أراضٍ من "مار تقلا" التابعة لبعبدا وبعض المساحات الإضافية، أما الذي صدر عن الوزير الحالي فيضم أكثر بكثير: من المدرسة الحربية، ومنطقة سحيما - مار تقلا، وكل ما يقع شمال طريق الشام وصولاً إلى السيتي سنتر...". ويعتبر أن الحازمية اليوم بقرار الوزير مروان شربل باتت تأخذ "جزءاً كبيراً من مدخول بلدية بعبدا التي لم يبق لديها سوى مقرات رسمية وهذه المقرات لا تدفع الضرائب"، مشدداً على أن "القرار الوزاري أتى بشكل مفاجئ".

هذه "المفاجأة" دفعت بوفد من بلدية بعبدا وفعالياتها إلى التوجه إلى وزارة الداخلية والإجتماع بالوزير شربل. وفي هذا الإطار، علمت "النشرة" من مصادر مطلعة، وليس من المحامي عماطوري، أن الوزير أكد أنه عالم بإمكانية الطعن بالقرار، فقد قال للمجتمعين معه: "أنا أعرف أنكم ستطعنون به، ولكن اتفقوا مع بعضكم البعض وأنا مستعد لأن أتراجع عنه". وتابع معللاً سبب اتخاذ القرار: "أنا أسكن في الحازمية والناس دائماً تقول هناك أنها لا تريد أن تدفع تكاليفها في بعبدا، فهذا القرار يحل هذه المشكلة".

عماطوري يعتبر أن ما جرى "ليس مقبولا" لأن "بعبدا هي عاصمة جبل لبنان التاريخية ومركز محافظة جبل لبنان اليوم ومن أولى البلديات التي تشكلت في لبنان"، متسائلاً: "هل يقبل أحدهم بتقسيم بيروت أو طرابلس مثلاً؟"

إلا أن السؤال الأساسي يكمن في كيفية قيام وزير في حكومة تصريف الأعمال باتخاذ قرار من هذا النوع، خصوصاً إذا كان البت به ما زال قيد النظر في مجلس شورى الدولة؟ وكيف يمكنه تخطي هذه السلطة القضائية؟ وذلك بغض النظر عمّا اذا كان الحق مع بلدية بعبدا أو بلدية الحازمية... هذا الحق الذي وحدها السلطة القضائية لها صلاحية البت به!