منذ اللحظة التي قرّر فيها النائب وليد جنبلاط إلغاء صيغة "الثلاث ثمانات" واستبدالها بـ"تسعة تسعة ستة"، أصيب "الآذاريون" بالدوار الذي ما زال يلازمهم لغاية الآن، بعدما أيقنوا هيمنتهم على شكل ومضمون حكومة كان على وشك أن يشكلها الرئيس المكلَّف تمام سلام، ويدعمها الرئيس ميشال سليمان.

في الواقع، حكومة بـ"ثلاث شعب مثمّنة الأضلاع" كاد أن يشكلها محور الإلغاء، الذي أراد ليس إبعاد "حزب الله" وقوى الثامن من آذار فحسب، بل هذه المرة شطب وإلغاء الحزب من معادلة القرار الحكومي، واستطراداً القرار اللبناني السيادي، باعتبار أن الحزب خرج عن الإجماع اللبناني وسياسة النأي بالنفس وذهب للقتال في سورية، وهي الذريعة التي سوّقتها الرياض وعواصم غربية، لكن فاتهم أن النأي بالنفس اخترقه "مستقبليون" والجماعات المتطرفة الدائرة في فلكهم منذ بدء النزاع في سورية، وهناك دول خليجية أرسلت أموالاً طائلة ومئات المقاتلين عبر لبنان في الأسابيع والأشهر الأولى من الأزمة السورية.

المتوفر حتى الآن من معلومات حول تأليف الحكومة شحيح جداً، بسبب توقّف دوران أي عجلة نحو إيجاد صيغة توافقية تؤمّن الشراكة الوطنية بحسب الشعارات التي رفعها سلام في أيامه الأولى للتكليف، والتي تبيّن أنها كلام للاستهلاك، فالرجل الذي انتُخب في بيت الوسط كممثّل لقوى 14 آذار، والمقرب من السعودية، مضى سريعاً في نسف خطوط التواصل مع بقية مكونات الساحة اللبنانية، مبتعداً في الوقت نفسه عن التوافق، لأن الكل بات يعرف أن القرار وكلمة السر تأتي من السعودية، حيث لا حكومة يتمثل فيها "حزب الله" والأبواب مقفلة حالياً بهذا الشأن من قبَل الرياض، التي ألغت زيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان من دون سبب واضح، علماً أن الرئيس سليمان كان قد التقى في نيويورك وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وتباحث معه بالوضع اللبناني دون التوصّل إلى تفاهم واضح، ويومها وُصف الاجتماع بغير المريح والباهت، إلا أن رئيس الجمهورية أكد للصحافيين في نيويورك عزمه على الذهاب إلى السعودية لبحث الملف اللبناني، فجاء الرد سريعاً من جانب السعوديين بإلغاء الزيارة، ما شكّل إهانة كبيرة للبنان، ولرئيس البلاد.

خلاصة الأمر أن السعوديين الذين صُدموا من عجز أميركا من شن الحرب على سورية، فُجعوا من اتصال أوباما الشهير بالرئيس الإيراني في نيويورك، ما زاد من غضبهم، لذلك يتصرفون في هذه المرحلة بكيدية واضحة، تجلّت بمحاولة منع "حزب الله" من دخول الحكومة، وبرأي المراقبين فإن إلغاء زيارة سليمان للرياض مربوطة بأجندة لبنانية كان سليمان بصدد بحثها معهم، أهمها شكل الحكومة اللبنانية، على أن يتم بحث هذه الأجندة لاحقاً مع الرئيس الإيراني حسن روحاني من ضمن ملفات المنطقة، لكن الرئيس الإيراني رد بدبلوماسية ذكية؛ بأنه لن يستطيع أداء مناسك الحج هذه السنة، بسبب جدول مواعيد مثقل بالملفات الداخلية والخارجية، إلا أن حقيقة الأمر هو أن روحاني لا يريد أن تكون زيارته بروتوكولية، وضمن مناسبة يحضرها العديد من مسؤولي الدول الإسلامية يستقبلهم الملك عبدالله في مكة المكرمة، بل يريد زيارة دولة كاملة المعاني يناقش فيها ملفات هامة وأساسية تهم دول المنطقة وشعوبها، ومنها الملف اللبناني.

وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن الملك عبد الله يدعم فكرة تسوية وتبريد كل الملفات الساخنة، ومنها العلاقة مع المسلمين الشيعة في السعودية والبحرين، حيث استقبل مؤخراً وفداً كبيراً من المنطقة الشرقية، ووعدهم بإطلاق معتقلين وبدء صفحة جديدة معهم، إضافة إلى الملف السوري وتشعباته الكبيرة، على عكس توجهات الكثيرين في الأسرة الحاكمة، وعلى رأسهم بالطبع بندر بن سلطان.

إذاً، لا شك أن الوضع في لبنان يتأثر بملفات المنطقة التي تترتب شيئاً فشيئاً، بدءاً من التفاعهم الروسي - الأميركي، ثم الأميركي - الإيراني، فالسعودي - الإيراني، والكل ينتظر ما ستتمخض عنه زيارة روحاني المرتقَبة إلى الرياض بعد الحج.