في أواخر عام 2012، شكل رئيس الحكومة بالتنسيق مع رئيس الجمهورية لجنة إعداد مشروع قانون اللامركزية الادارية في لبنان، من رجال علم وتقنيين وخبراء في القانون. الهدف من المشروع "تحرير" السلطات المحلية المنتخبة ومنحها صلاحيات واسعة عبر الاستقلالين الإداري والمالي، مما يحقق الانماء المتوازن فعلاً، على ان تكون الرقابة لاحقة. فأين أصبح المشروع؟
عملياً أنهت اللجنة وضع مشروع قانون اللامركزية ببنوده كلها، وهي تضع الآن اللمسات الأخيرة على نص التقرير الذي سيرفق بالمشروع القانون والذي يشرح تفاصيل الخيارات التي اعتمدتها اللجنة، كما يعطي أمثلة وأرقاماً وإحصاءات ويتضمن محاكاة (simulation) وسينشر تعميماً للفائدة ولتمكين المعنيين والرأي العام من مناقشة المشروع ومقاربته بالاستناد إلى معطيات أوسع من تلك التي في مشروع القانون، علماً أن الأخير هو في حدود 155 مادة، إضافة إلى ملاحق وجداول، وفق ما يكشف لـ"النهار" رئيس اللجنة وزير الداخلية السابق زياد بارود، الذي نادى وعمل على وضع قانون اللامركزية الادارية منذ أعوام وقبل ان يعيّن وزيراً للداخلية.
ويتوقع بارود أن ترفع اللجنة تقريرها المتضمن مشروع القانون متكاملاً إلى رئيسي الجمهورية والحكومة في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. وسينشر المشروع والتقرير لتسهيل الاطلاع عليهما من الجميع ومناقشتهما من الجميع. "هذا مشروع أساسي ومن حق جميع اللبنانيين واللبنانيات أن يشاركوا في مناقشته. هو قانون ميثاقي بامتياز ولا يقل أهمية عن قانون الانتخاب، بل أرى تكاملاً بين الإثنين".
بارود لم يشأ الدخول في تفاصيل الخيارات التي اعتمدت في هذا المشروع ليصبح متكاملاً قبل رفعه إلى المراجع الرسمية من باب اللياقة والأصول، "لكن في استطاعتي القول إن المشروع يتميّز بالآتي:
1 - هو مشروع يأخذ بالإجماع اللبناني حول اللامركزية الموسعة انطلاقاً من اتفاق الطائف. وإذا كان المشروع يعطي فعلاً أوسع الصلاحيات للمناطق، فهو يبقيها ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي.
2- هو مشروع يعتمد اللامركزية فعلاً لا قولاً من حيث استحداث مجالس منتخبة بالكامل وإعطاؤها ليس فقط الاستقلالين الإداري والمالي وإنما أيضاً التمويل والواردات اللازمة (وهي العصب) ويحصر الرقابة إلى أقصى حد ويجعلها لاحقة لا مسبقة.
3 - هو مشروع يبقي على البلديات كوحدات لامركزية أساسية ولا يمس بصلاحياتها أو بأموالها ويعتمد القضاء كمساحة لامركزية، نظراً الى شرعيته التاريخية والى تأمينه الحاجات التنموية.
4 - كما أن المشروع يستحدث صندوقاً لامركزياً يحل محل الصندوق البلدي المستقل ويكون أعضاء مجلسه منتخبين ويعمل وفقاً لقواعد منهجية ولمعايير توزيع تعتمد مؤشرات (indices) موضوعية تراعي ضرورة الإنماء المتوازن وتحفيز النمو المحلي.
5 - إضافة إلى تفاصيل أخرى منها، مثلاً، تنظيم الشركة بين العام والخاص وتحفيزها لتنفيذ مشاريع مختلفة وهيئة مستقلة للانتخابات المحلية وسواها من الإصلاحات وآليات التطوير والأفكار الجديدة".
ويضيف بارود ان معظم المشاريع التي تطرح في البلد يتم عرضها على الاطراف والاحزاب السياسية للموافقة عليها قبل تقديمها"، مؤكداً ان "التواصل الافعل سيكون بعد تعميم المشروع".
ويوضح انه "باستثناء المشاريع والاقتراحات السابقة المتداولة (بدءاً من اقتراح النائب السابق أوغست باخوس وصولاً إلى اقتراح النائب روبير غانم وما بينهما من مشاريع واقتراحات) ليست ثمة نصوص متكاملة قدمتها الأحزاب والقوى السياسية وإنما أفكار. وقد تواصلنا على مستوى الأفكار ولا نزال مع تلك القوى، لكن التواصل الأفعل سيكون بعد تعميم المشروع للمناقشة. فالقوى السياسية ممثلة في الحكومة وفي المجلس النيابي وهي في النهاية صاحبة الرأي في القرار والإقرار. فاللجنة لم تكن مؤلفة من ممثلين عن تلك القوى أو عن الطوائف. كانت لجنة علمية، تقنية، موضوعية، تشرفت بإدارتها مدى 41 اجتماعاً، وهذه مناسبة لأثني على جدية أعضائها جميعاً وقيمتهم العلمية والأخلاقية واندفاعهم وتفانيهم وقد عملوا من دون مقابل. ولا أنسى الدكتور عثمان دلول، رحمه الله، وما قدمه من مساهمات".
إذاً، المشروع والتقرير سيرفعان الى رئيسي الجمهورية والحكومة اللذين كلّفا اللجنة إعدادهما. إجرائياً، المشروع يناقش في مجلس الوزراء تمهيداً لإحالته على المجلس النيابي، لكن بالموازاة، سيكون المشروع متوافراً للجميع بعد نشره وتعميمه حتى يناقش في حلقات مختلفة، في المناطق وفي مراكز الدراسات ولدى المهتمين. وثمة تنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هذا الصدد.