كانت عاصمة الشمال على موعد مع عودة هادئة لمفتي ​طرابلس​ والشمال الشيخ ​مالك الشعار​، على الرغم من الغياب "القسري" الطويل له عن المدينة لأسباب أمنية، وفي الوقت عينه كانت المدينة نفسها على موعد مع عودة صاخبة لأحد أبرز قادة محاورها ​سعد المصري​، الذي استقبل على وقْعِ أصوات الرصاص والقذائف، لا سيما بعد المعلومات التي تحدثت عن هروبه إلى الخارج بعد جمعه مبالغ طائلة من المال.

كان من المتوقع أن تخرج المدينة من أجل إقامة استقبال شعبي كبير لمفتيها الداعي إلى الحوار والمحبة بشكل دائم، لكن المفارقة أنها أقامت ذلك من أجل أحد مسلحيها الرافض لتسليم سلاحه، على الرغم من الإغراءات التي يتم الحديث عنها في الخطة الأمنية المزمع وضعها لها.

"السائح" المصري

منذ أيام عدّة، إنتشرت شائعة في مدينة طرابلس، تتحدث عن مغادرة سعد المصري البلاد بعد المعلومات عن قرب موعد تطبيق الخطة الأمنية فيها، لم يعمد الرجل إلى نفي هذا الأمر بشكل علني من أجل الرد على ذلك، لكنه اختار أن يكون ذلك بطريقة أخرى أرعبت معظم سكان المدينة، وأدت إلى سقوط عدد من الجرحى وتضرر أكثر من سيارة كانت متوقفة في المكان.

وفي هذا السياق، يشير مقربون من المصري إلى أن "الرجل كان في رحلة سياحية إلى تركيا"، ويؤكدون أن "لا علاقة له بالإستقبال المسلح الذي أقيم له في المدينة"، لكن هذا الأمر حصل من أجل التأكيد على أن المصري ليس هو من يهرب في الأوقات الصعبة، ويلفتون إلى "صدور لعتذار منه على ما حصل، مبرراً ذلك بعدم قدرة أي شخص على ضبط الأمور في هكذا وضع". لكن هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح حول الجهات التي أعدت له هذا الإستقبال، وحول الهدف من ذلك في الوقت الذي يرفض الرجل تسليم المسلحين سلاحهم بأي شكل من الأشكال.

في الجهة المقابلة، تستغرب مصادر مطلعة "عدم تحرك الأجهزة الأمنية مع الإنتشار المسلح الذي حصل على مسافة واسعة من المدينة، خصوصاً أن المسؤولين الأمنيين كانوا قد أعلنوا سابقاً عن البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة الأمنية الخاصة بطرابلس".

وتشير المصادر نفسها، عبر "النشرة"، إلى أن "ما حصل كانت تحت أعين الأجهزة الأمنية التي لم تحرك ساكناً"، وتسأل "إن كانت هذه هي المعالجة التي وعدت بها عاصمة الشمال للفلتان الأمني الحاصل فيها منذ سنوات"، كما تلفت إلى "وجود أكثر من مذكرة توقيف صادرة بحق المصري الذي غادر البلاد وعاد من دون أن يتم توقيفه من قبل أي جهة".

الأقلية تسيطر على المدينة

على صعيد متصل، تعتبر أوساط طرابلسية أن "ما يحصل يعكس الصراع بين الوجهين الواقعين في المدينة، حيث إختارت الأكثرية الساحقة إستقبال الشعار بطريقة هادئة، في حين أرادت الأقلية المشاغبة هذا الوجه القبيح لإستقبال أحد قادتها".

ولا تستغرب الأوساط نفسها تسليط الأضواء على هذا الوجه القبيح، حيث تشير إلى أن "الأنظار توجه دائماً إلى من يصرخ في لحظة هدوء عندما يكون هناك 1000 شخص في قاعة مقفلة"، معربة عن أسفها "لحصول هذا الأمر بالتزامن مع عودة الشعار التي تفاءل الكثيرون بها، لا سيما أن لدى الرجل الكثير من المبادرات السابقة التي تدعو إلى التهدئة والإعتماد على الحوار كوسيلة بين الأفرقاء المتخاصمين".

وفي هذا الإطار، يعتبر القيادي في تيار "المستقبل" النائب السابق ​مصطفى علوش​ أن "رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يتحمل المسؤولية المباشرة عن المجموعة التي روعت المواطنين، أول من أمس"، ويشير إلى أن "ميقاتي هو من يمولها ويمون عليها، بحسب ما أعلن المصري بشكل واضح في أكثر من مناسبة".

ويرفض علوش، في حديث لـ"النشرة"، تحميل القوى السياسية في المدينة مسؤولية ما يحصل فيها، حيث يعتبر أن المسؤولية تقع على السلطة التي من المفترض أن تقوم بواجباتها في قمع هذه المظاهر، في حين يرى أن القوى السياسية لا تستطيع إلا أن ترفع الصوت من أجل تأكيد رفضها لهذه المظاهر.

في المحصلة، ما حصل أول من أمس يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول الخطة الأمنية التي تعد الأجهزة الأمنية المدينة بفرضها في وقت قريب، وحول ضم هذه المجموعات إلى الأجهزة الأمنية كما طرح البعض، فهل ستنفذ مذكرات التوقيف التي أعلن عنها وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل بالأمس؟