في مساء ذلك اليوم منذ أكثر من سنة، كان اللواء وسام الحسن ليلاً قد فرغ من إتمام عملية توقيف ميشال سماحة. جاء إلى العشاء اليومي في مكتب اللواء أشرف ريفي، الثامنة والنصف، وكان بالكاد يستطيع فتح عينيه من النعاس والإرهاق. لم يكن السبب أنّه لم ينَم منذ 48 ساعة متواصلة للإعداد للعملية، التي نُفّذت بدون أخطاء.

جلس عدد قليل على الطاولة ووسام الحسن لا يتكلّم إلّا بصعوبة، بالكاد تناول القليل من الطعام. لأوّل مرّة، بدت على وجهه ملامح إنجاز ممزوج بالقلق. لأوّل مرة يؤجّل وسام الإجابة على أيّ سؤال، لأوّل مرّة يبدو وكأنه موجود، فيما عقله يفكّر بمرحلة ما بعد القبض على ميشال سماحة، وما بعد انكشاف، علاقة النظام السوري المباشرة بالتفجيرات الإرهابية. لأوّل مرّة يخرج الحسن عن تحفّظ طالما اتّصف به. قال إنّ الملف كبير، قال إنّ توقيف سماحة بالجرم المشهود هو خرق لكلّ الخطوط الحمر، وتوقّع أن يتمّ اغتياله، واغتيال اللواء أشرف ريفي، وسمّى ودخل في التفاصيل.

تلك الليلة بعد توقيف سماحة واعترافه، شعر وسام الحسن أنّه وقّع على قرار إعدامه. يقول يومها من ضمن ما قاله: لن يتحمّلوني على رأس جهاز بهذه القوّة، قادر على كشف مخطّطاتهم. ذهب في الأيام التالية أكثر بعداً في توقّع تعرّضه للاغتيال، أصبح يقول (كما جاء في شهادة الإعلامي مرسيل غانم) كلّ يوم أعيشه هو مكسب.

لا مبالغة في القول إنّ اللواء الحسن لم يخشَ على حياته الى هذه الدرجة حتى عندما ساهم بالتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كان سبق له، بعد كشف شبكة الاتصالات الخاصة بمرتكبي الجريمة، أن نبّه الرائد وسام عيد إلى ضرورة الاحتياط وعدم التحرّك. طالبه بأن يقيم بشكل دائم في المديرية العامة للأمن العام، جنّ جنونه حين عرف مرّة أنّ الرائد الشهيد يتناول طعامه في أحد مطاعم الأشرفية، وحاول أن يبقيه في المديرية العامة، لكنّ عيد أصرّ على البقاء في منزله في الدكوانة، واستمرّ يتنقل إلى مكتبه، إلى حين اغتياله بعبوة لم يستخدم فيها القتلة شبكة اتصالات خلوية كالتي كشفها.

من مفارقات اغتياله أنّ القتلة لم يستخدموا أيضاً الأجهزة الخلوية، وأنّهم استغلّوا ذهابه للشقّة الأمنية بعد مراقبته لمدة طويلة، ونفّذوا الاغتيال الذي هو أشبه باغتيال رفيق الحريري.

شعر وسام الحسن قبل فترة من اغتياله، بأنّه مراقب. سرّب الخبر لوسائل الإعلام، سحب الكاميرات من شوارع الأشرفية لتحليلها، ومع ذلك كان يدرك أنّ من يريدون اغتياله، لم يعودوا آبهين لانكشاف أمرهم. بعد اغتيال رفيق الحريري وكلّ الشخصيات التي استهدفت، وبعد اتّهام المحكمة لعناصر "حزب الله" بالمسؤولية عن الاغتيالات، فإنّ أمر انكشاف هذه الجرائم في خيوطها الأساسية أو في صورتها الكاملة أصبح تفصيلاً. أتت تفجيرات طرابلس لتثبت أنّ من قاموا بالتفجير كانوا يعرفون أنّ المكان كلّه مجهّز بالكاميرات، ولم يتردّدوا بإرسال السيارات المفخّخة، التي قادها أشخاص مكشوفو الوجوه. بعد انكشاف مفجّري طرابلس، لم يسجّل من طرف حلفاء سوريا أيّ تنديد، لم يرفضوا نتائج التحقيق، لم يشكّكوا به، ولم يندّدوا.

التحقيق باغتياله الذي يتولّاه فرع المعلومات متقدّم، لكن لن يعلن عنه إلّا بعد اكتماله. التفاصيل تبقى لدى النواة الضيقة في فرع المعلومات، تفاصيل تتعلّق بالسيارة المستعملة المسروقة (كالعادة) وبتحليل الكاميرات وبكيفية تنفيذ العملية. هذا الفرع الذي أريدَ اغتيالُه باغتيال الحسن، أثبت أنّه مازال يعمل بنفس الكفاءة التي كان يعمل بها أيام تولّي ريفي والحسن للمسؤولية، ومن يعرف العميد عماد عثمان جيّداً، ومن يعرف الضبّاط والعناصر، والأقسام، ومن يعرف حجم الخبرات التي تراكمت منذ ثماني سنوات، يدرك أنّ فرع المعلومات سيصل إلى إعلان حقيقة مَن اغتال وسام الحسن، ولو بعد حين.