ما جرى يوم السبت 19/ 10/ 2013 من تبادل لرهائن لم يكن عملية عادية بل اتسمت بـ"الاستثنائية والفرادة من نوعها" لأنها حصلت في ثلاث دول واللاعبون فيها ينتمون الى ثلاث جنسيات. الأسباب مختلفة والتعبير فيها كان احتجازاً على يد افراد مسلحين لزوار ​لبنان​يين ابرياء كانوا يجتازون اراضي سورية في طريق عودتهم براً من طهران الى بيروت بعد زيارتهم العتبات المقدسة، وان الخاطفين طالبوا النظام في سوريا باطلاق نساء سجينات معارضات له شرطاً للافراج عن اللبنانيين التسعة. وأدى استمرار الاحتجاز الى خطف طيار تركي ومساعده على الطريق المؤدية من المطار الى الفندق. وتكمن الصعوبة القصوى في مثل هذه الحال في أن العلاقات بين كل من تركيا وقطر مقطوعة مع سوريا، فتولى لبنان ممثلاً بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، الاتصال بالسلطات السورية.

وروى احد الذين ساهموا في عملية الافراج عن المخطوفين لـ"النهار"" كيفية تنفيذ العملية التي نجحت بتأمين اطلاق سجينات في سوريا ومحتجزين على يد مسلحين أيضاً فيها وتركيين محتجزين في جرود الهرمل بعد خطفهما على طريق مطار رفيق الحريري الدولي. استوجب التطبيق اياماً عندما قررت قطر وضع ثقلها للمساهمة في هذه العملية الديبلوماسية – الامنية التي كان مسرحها بيروت، اسطنبول ودمشق فأنشأت غرفة عمليات خاصة بها في تركيا ووضعت الدوحة ثلاث طائرات خاصة لتنقل المفرج عنهم وعنهن كلاً الى بلاده، وتولت طوافة للجيش اللبناني نقل الطيار التركي ومساعده من قاعدة رياق الجوية الى قاعدة بيروت الجوية في المطار. وقاد العملية من اسطنبول كل من وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو والقطري خالد بن العطية، ومن بيروت وزير الداخلية والبلديات مروان شربل مع المدير العام للأمن العام اللواء ابرهيم الذي انتقل الى اسطنبول للتنسيق ولتسلم الزوار المحررين في فندق "الفور سيزنز" وساعدهم مسؤولون من اجهزة المخابرات والأمن العام في الدول الثلاث. ضمت غرفة العمليات في اسطنبول مسؤولين عن ادارة تسلم وتسليم الرهائن والسجينات كانوا على اتصال مع ضباط ارتباط لبنانيين وسوريين للتثبت من خطة الافراج وفقاً لما هو متفق عليه، مزودين هواتف خليوية دولية للتأكد مما يجري ولأيصالهم الأوامر الى قادة الطائرات للاقلاع في وقت واحد بهدف ايصال كل محتجز الى الدولة المتوجه اليها.

ولفت المصدر الى ان الاطراف المعنيين تبلغوا ضرورة التقيد بتزامن اقلاع الطائرات من دمشق الى اضنة، ومن بيروت الى اسطنبول وبالعكس، فنقلت في وقت واحد السجينات السوريات والمحتجزين من لبنانيين واتراك بعد تأخير حصل في لبنان، ولكن تمت العملية كما كان مخططاً لها بتسويق في بيروت لا مثيل له وباستنفار كبار المسؤولين وذوي المحررين ومحبيهم الذين اجتازوا الاجراءات الامنية في حرم المطار من دون وقوع اي صدام.

وأقر بأن عملية الافراج التي تمت السبت حققت مكاسب ليس فقط بعودة الحرية الى من كان فقدها بعد 18 شهراً، بل اعادت الى قطر لعب دورها الاستثنائي مع لبنان عندما يواجه مشكلة مستعصية ومساعدته الى أبعد الحدود كما فعلت بعد حرب اسرائيل الأخيرة على لبنان في تموز 2006، اضافة الى "اتفاق الدوحة" وما تركه من تسوية. وتجدر الاشارة الى ان تلك العملية هي الاولى من نوعها تتم مع تسلم الأمير الجديد تميم مقاليد الحكم من والده الشيخ حمد ومن رئيس الوزراء السابق وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي كان بمثابة دينامو للديبلوماسية في القضايا العربية وسواها وصاحب المبادرات التي كانت تبدو مستحيلة في لبنان وخارجه. كما ان تلك العملية ستعيد التقارب الذي كان انقطع مع فريق من اللبنانيين وامتنع القطريون بنتيجته عن المجيء الى لبنان لأسباب أمنية.

اما بالنسبة الى تركيا فستعود مصالحها في لبنان الى سابق عهدها بعدما كانت قد تعرضت لاغلاق مكاتب الطيران والمركز الثقافي وسواها. وأفادت السلطة الفلسطينية ان ديبلوماسيتها أرست قاعدة للمفاوضات بواسطة سفيرها لدى تركيا.

تسمر اللبنانيون واللبنانيات امام اجهزة التلفزيون مساء السبت لمتابعة عملية الافراج عن المحررين وعاشوا الساعات التي لم تخل من تعثر واخبار عاجلة كان في معظمها يربك حتى اهالي المخطوفين، وتأثر هؤلاء بما قاله احد المحررين بصوت عال لدى وصوله الى المستقبلين في المطار "حبوا لبنان، ما في متل ترابو" وذلك بعد 530 يوماً من العذابات والخوف من المعارك الدائرة حولهم وفقدان الدواء والطعام.

ان عملية الافراج تلك عن لبنانيين وسوريات وتركيين تصلح لتكون فيلماً سينمائياً للتعبير عن قسوة احتجاز حرية الانسان، سواء كان لبنانياً ام تركياً أم سورياً ووجوب وضع حدّ لهذه الآفة.