بشكلٍ مفاجئ، "اشتعلت" محاور الهرمل وطرابلس ليلاً، إيذاناً على ما يبدو بـ"سخونة جديدة" ستشهدها المناطق الشمالية ولا سيّما الحدود اللبنانية السورية بموازاة معركة القلمون التي تستعدّ لها مختلف الجهات، والتي يقول العارفون أنّ انعكاساتها المباشرة على لبنان لن تكون بخافية على أحد.

وسط ذلك، بقي "الإبتهاج اللبناني" بعودة مخطوفيه في أعزاز سيّد الموقف في الداخل اللبناني، فيما قفز إلى الواجهة "تحرير" الموقوفين الثلاثة في قضية خطف الطيارَين التركيّين مقابل كفالة مالية، الأمر الذي قرأ فيه البعض "استكمالاً للصفقة" التي تمّ إبرامها وأطلِق بموجبها المخطوفون، في وقتٍ لفتت "الإحتفالات الشعبية" التي نُظّمت في الضاحية لـ"المحرّرين الثلاثة".

في كلّ الأحوال، "الثابت" الوحيد وسط كلّ هذه الأجواء بقي "الجمود" السياسي، الذي أضيفت إليه "النقاهة" التي وُصفت لرئيس الحكومة المكلف تمام سلام، فيما يُسجّل "خرق بسيط" خلال الساعات المقبلة بالتئام المجلس النيابي، الذي لم يلتئم منذ التمديد لنفسه، لكنه التئام "محصور" بالتجديد للجانه، لا أكثر ولا أقل، في ضوء "الغموض" الذي يكتنف مصير الجلسة التشريعية المقرّرة خلال اليومَين المقبلَين، والتي سارع "المستقبليون" لبسط سلاح "المقاطعة" بوجهها.

موقوفو رومية أُطلِقوا.. والملف لم يُقفل!

هكذا إذاً، وفي وقتٍ استمرّت الإحتفالات الشعبية بإطلاق ​المخطوفين اللبنانيين​ التسعة بعد سنة ونصف من المعاناة والعذاب، قفز تطوّر قضائي على صلة بالملف إلى واجهة الأحداث خلال الساعات الماضية، مع إطلاق الموقوفين الثلاثة في قضية خطف الطيارين التركيين بكفالة مالية مقدارها 500 ألف ليرة لكل منهم، الأمر الذي اعتبره البعض "تتمّة" لـ"الصفقة" التي تمّ إنجازها يوم السبت الماضي، وعاد بموجبها الطياران التركيّان إلى بلادهما، كما عاد المخطوفون اللبنانيون التسعة ليتنشقوا نسيم الحرية.

وإذا كانت خطوة إطلاق الموقوفين الثلاثة، بغضّ النظر عن هذه التفاصيل، قانونية بعد تقدّم محامي الدفاع عنهم بطلبات إخلاء السبيل بانتظار استكمال الإجراءات القضائية، فإنها قوبلت سريعاً بـ"السلبية" من قبل البعض، حيث لفت على سبيل المثال ما نقلته صحيفة "النهار" عن مصدر في تيار "المستقبل" لجهة قوله أنّ الاحداث التي جرت والتي تلت الافراج عن المخطوفين اللبنانيين في اعزاز، ولا سيما منها اطلاق الذين شاركوا في خطف الطيارين التركيين هي بمثابة "فضيحة كبرى اطاح من نفذها آخر معالم هيبة الدولة، مما يهدد بتحويل لبنان دولة سائبة"، متسائلاً "كيف يعقل ان يتم اطلاق مواطنين قاموا بأعمال ارهابية تمثلت بخطف رعايا اجانب بكفالة مالية مضحكة".

في المقابل، حرص المعنيّون بالملف على التأكيد على أنّ "الملف لم يُقفل بعد"، كما جزم المدّعي العام التمييزي بالإنابة القاضي سمير حمود، الذي أوضح أنّ "القضاء والنيابة العامة لم يكونا في صورة عملية تسليم المخطوفين التركيين، ولم يبلّغا بطريقة تسليم المخطوفين ولا بتوقيتها لكي تأمر النيابة العامة بتوقيف المشبوهين"، لافتاً إلى أن "المشبوهين لا زالوا موضع ملاحقة والملف لم يقفل بعد".

بين الأمن والسياسة..

ومن قضية الخطف التي يبدو أنها لم تنتهِ فصولاً، وأنّ "وهجها" مستمرّ خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى السياسة "المجمّدة" في الداخل اللبناني، والتي ستترجم خلال الساعات المقبلة بـ"مقاطعة متواصلة" لأعمال "التشريع" في مجلس النواب، الذي يعقد جلسة للتجديد لأعضاء اللجان وهي الأولى له منذ مدّد لنفسه، في حين بقي مصير جلستي الأربعاء والخميس "غامضاً" في ضوء إعلان كتلة "المستقبل" مقاطعتها بحسب ما أكد القيادي في التيار النائب السابق مصطفى علوش لـ"النشرة".

وسط ذلك، عاد الأمن من جديد ليخطف الأضواء، حيث توتّر الوضع الأمني في طرابلس، بعد تجدّد الاشتباكات بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن، على محاور عدة، استعملت خلالها الاسلحة الخفيفة والقذائف الصاروخية مخلّفة خمسة جرحى. وأفيد أن الاشتباكات بدأت عقب اطلاق النار ابتهاجاً في جبل محسن خلال المقابلة التلفزيونية التي بثت مع الرئيس السوري بشار الأسد. وتراجعت الاشتباكات قبيل منتصف الليل عقب تعزيزات استقدمها الجيش الى المنطقة. وأتى ذلك بعد تطوّر أمني آخر تمثل في سقوط اربعة صواريخ مصدرها الجانب السوري على بلدة الهرمل، كما سقطت اربعة صواريخ اخرى من المصدر نفسه على بلدة القاع، استناداً الى الجيش اللبناني، الذي أوضح انه اتخذ الاجراءات الميدانية المناسبة.

في غضون ذلك، لفت البيان الذي أصدره رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي ديفيد باراغوانث وتوجّه فيه الى المتهم الخامس حسن حبيب مرعي والى الشعب اللبناني طالباً التعاون مع المحكمة، داعياً إياه إلى النظر في ما إذا كان مستعداً للظهور أمام المحكمة بمساعدة من مكتب الدفاع، وشدّد على انه لا بد من متابعة العدالة الدولية بشكل تام، لافتاً إلى فشل العديد من المحاولات الرامية إلى عرقلتها.

كلمة أخيرة..

تزامناً مع معركة القلمون، التي تضاربت الأنباء حول "ساعتها الصفر"، يبدو "حبس الأنفاس" سيّد الموقف في الداخل اللبناني، وسط المخاوف من انعكاساتها، بظلّ الممارسات التي تناقض سياسة "النأي بالنفس" المعلنة..

إزاء كلّ ذلك، قد يكون بات إلزامياً على جميع الأفرقاء الكفّ عن "المماطلة" و"المراوغة"، وإنقاذ البلد من "فراغه القاتل"...