على الرغم من الفرحة الكبيرة التي لا تزال تعم الساحة اللبنانية بعودة المخطوفين من مدينة أعزاز السورية، إلا أن هناك العديد من التفاصيل التي لم يكشف عنها حتى اليوم، لا سيما حول الأيام الأخيرة من المفاوضات التي شهدت تطورات بالغة الأهمية أدت إلى تسريع العملية بشكل لافت، بعد أن كانت الكثير من العوامل الإقليمية والمحلية تحول دون ذلك.

في هذا السياق، من غير المتوقع أن يكشف بشكل رسمي عن أي من هذه التفاصيل في الأيام القليلة المقبلة، لكن أحد الوسطاء العاملين على هذا الملف أراد الكشف عن بعض منها اليوم، حيث تحدث "أبو محمد" عن جزء من المعلومات التي لديه، لا سيما ما يتعلق منها بالأيام الأخيرة التي سبقت الوصول إلى النهاية السعيدة، بالإضافة إلى الأسباب التي أدت إلى إبعاد النائب ​عقاب صقر​ عن هذا الملف قبل نحو سبعة أشهر.

المخطوفون دخلوا تركيا يوم الأربعاء

في البداية، يكشف "أبو محمد" أن "المرحلة الأخيرة من المفاوضات بدأت، يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن طلبت المجموعة الخاطفة الدخول إلى الأراضي التركية مع المخطوفين بعد إشتداد المعارك مع تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" أو ما يعرف بـ"داعش"، ويلفت إلى أن "الجانب التركي لم يكن قادراً على رفض هذا الطلب، خصوصاً أن هناك مواطنين تركيين مخطوفين في لبنان بسبب هذه القضية".

ويؤكد "أبو محمد"، في حديث لـ"النشرة"، أن "المخطوفين مع الخاطفين (يبلغ عددهم 12 شخصاً) دخلوا الأراضي التركية صباح يوم الأربعاء الماضي، بعد أن كانوا في منطقة تبعد نحو 80 متراً عن الحدود بين البلدين"، ويشير إلى أن "الجانب التركي لم يكن يريد الإعلان عن هذا الأمر، لكنه عاد وقام به من خلال الإتصال الذي حصل مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، خلال تواجده في بلجيكا، من أجل الحضور إلى تركيا سريعاً".

وفي هذا السياق، يشير "أبو محمد" إلى أن "الأتراك حاولوا الإستفادة من هذه الورقة بعد أن أصبحت في يدهم بشكل كامل"، لافتا إلى أنهم "وضعوا شرطاً يقضي بالإفراج عن عناصر من المخابرات التركية معتقلين لدى السلطات السورية، إلا أن هذا الأخيرة رفضت هذا الأمر". كما لفت إلى أن "القيادة السورية سعت إلى اللعب على عامل الوقت بالنسبة إلى موضوع المعتقلات السوريات اللواتي لم يفرج عنهن حتى الآن، باستثناء واحدة تعتبر من الأخطر من وجهة نظرها". وأوضح أن "إطلاق باقي السجينات ما يزال مجرد وعد أعطي إلى اللواء ابراهيم من قبل السلطات السورية".

المفاوضات السابقة كانت تتحدث عن مرحلتين

على صعيد متصل، يشدد "أبو محمد" على أن "الهجوم الذي قامت به "داعش" هو الذي دفع عناصر "لواء عاصفة الشمال" إلى الإستسلام إلى الأمر الواقع"، مضيفا "لولا حصول هذا الأمر لكانت المفاوضات مستمرة حتى اليوم". ويوضح أنه "من المتوقع كانت أن تستمر إلى ما يقارب الشهر من اليوم".

ويكشف "أبو محمد" عن أن "هذه المفاوضات كانت تبحث إطلاق 3 مخطوفين لبنانيين مقابل الإفراج عن 80 معتقلة سورية في المرحلة الأولى، على أن يتم الإفراج عن 6 آخرين، في المرحلة الثانية، مقابل الإفراج عن باقي المعتقلات".

من ناحية أخرى، يوضح "أبو محمد" أن "المجموعة الخاطفة لم تحصل على أي مبلغ مالي من قبل أي جهة، لبنانية أو غير لبنانية، مقابل الإفراج عن المخطوفين"، ويشير إلى أنهم "تلقوا فقط وعداً بالحصول على حياة آمنة وهادئة في باريس بعد مدة من الزمن"، لافتا إلى أنهم "موجودون حالياً في منطقة كليس التركية".

المطرانان إلى الحرية قريباً

وبالإنتقال إلى البحث في ملف المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، يعرب "أبو محمد" عن ثقته بأن "هذا الموضوع سوف يتم الإنتهاء منه في وقت قريب"، لافتا إلى أن "اللواء ابراهيم، الذي يتمتع بحنكة سياسية وأمنية كبيرة، قادر على ذلك"، ويؤكد أن "المعلومات التي لديه تؤكد بأن يازجي ما يزال على قيد الحياة".

في هذا السياق، يؤكد "أبو محمد" المعلومات التي كانت قد تحدثت عنها "النشرة" وكشفتها حول صفقة الإفراج عن المطرانين مقابل الإفراج عن عناصر من المخابرات التركية، كما يؤكد ما ذكرته عن أن "الخلاف بين الجانبين التركي والسوري هو حول موضوع سرية أو علنية العملية"، ويشير إلى أن "عدد هؤلاء العناصر 46"، مؤكدا "إستمرار البحث فيه مع الحكومة السورية".

ويلفت إلى أن "هناك إتصالات تقوم بها روسيا الإتحادية على هذا الصعيد"، مشيرا إلى أنه "من الممكن الوصول إلى حل ما لهذه المعضلة خلال أسبوعين، خصوصاً أن الجانب الروسي يصر على الوصول إلى نتيجة إيجابية سريعاً".

الخلاف مع صقر

بالعودة إلى البدايات، يعود "أبو محمد" إلى الحديث عن الدور الذي كان يقوم به عضو كتلة "المستقبل" النائب عقاب صقر في هذه القضية، ويؤكد أن "الأخير، الذي هو على خلاف كبير معه اليوم، كان يعمل بكل صدق من أجل الإفراج عن المخطوفين"، لكنه يلفت إلى أن "هناك قطبة مخفية في الموضوع كانت تمنع إتمام الصفقة في كل مرة بسبب رفض الجانب الذي يمثله النائب صقر تنفيذ ما هو مطلوب منه". ويعتبر أن "هذا الأمر قد يكون عائداً إلى أن الظرف السياسي لم يكن مناسباً".

وفي هذا الإطار، يشير "أبو محمد" إلى أن "هذا الأمر تكرر نحو 3 مرات"، ويلفت إلى أنه "في إحدى المرات دخل أبو إبراهيم إلى الأراضي التركية من أجل القيام بالمفاوضات، وبالتحديد إلى العاصمة أنقرة، لكن العملية لم تنجح للأسباب نفسها"، كاشفا أن "المطلوب كان في ذلك الوقت هو الحصول على مساعدات مادية تقدم إلى النازحين السوريين"، ومؤكدا أن "صقر وافق على هذا الأمر".

أما بالنسبة إلى أسباب الخلاف مع صقر، يتردد "أبو محمد" قبل الحديث عن هذا الموضوع، ويشير إلى أن "صقر وقع في "فخ" بعض اللبنانيين والسوريين المنتمين إلى التيار السلفي الذين يرفضون أن يسميهم في الوقت الحالي"، مشيرا الى أن "هؤلاء أوهموا صقر أنهم قادرون على إنهاء الملف أسرع مما كان يعتقد، لكنهم لم يقوموا بأي أمر يذكر على هذا الصعيد".

كما يكشف "أبو محمد" أن "السبب الأساس يعود إلى الإتهامات التي وجهها له صقر بالوقوف وراء تسريب التسجيلات التي عرضت في وسائل الإعلام اللبنانية"، لكنه يؤكد أن "لا علاقة له بهذا الموضوع على الإطلاق"، ويكشف أن "صقر والجهة التي كان يمثلها لم يكن لها أي علاقة بالمفاوضات القائمة منذ نحو سبعة أشهر، وجميع المعلومات التي تشير إلى غير ذلك غير صحيحة".