"سقط رهانُكم"، قالها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، متوجّهًا إلى الفريق الآخر، ومحدّدًا من نذر العودة إلى لبنان من "مطار دمشق"، داعيًا إياه لـ"إعادة النظر" بموقفه، خصوصًا أنّ مطار بيروت الدولي يرحّب بكلّ اللبنانيين العائدين لربوع الوطن..
"سقط رهانُكم"، قالها السيد نصرالله، وانطلق منها ليغوص في أعماق الملفات الداخلية والإقليمية، مسمّيًا "المملكة العربية السعودية" بشكلٍ واضحٍ للمرة الأولى، واصفًا إياها بالدولة "الغاضبة" من مسار الأحداث الأخيرة، متّهمًا إياها تارة بالسعي لتعطيل الحوار في سوريا، وطورًا بالضغط لعدم تأليف الحكومة في لبنان.
وبعيدًا عن الرهانات "السياسية"، كانت الساحة الطرابلسية تهدأ تارة وتشتعل طورًا، تزامنًا مع دخول الجيش اللبناني إلى ساحاتها تحت وقع "الرصاص" الذي لم يرحم جنود الوطن البواسل، في مشهدٍ فوضوي بات من الواجب وضعُ حدٍّ له مهما كان الثمن.
نصرالله "يغمز من قناة" الحريري..
في ظلّ الجمود السياسي الذي لا يزال سيّد الموقف في الساحة الداخلية دون أيّ منازع، احتلّ خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، في احتفال اليوبيل الفضّي لمستشفى الرسول الأعظم في قاعة ثانوية شاهد في طريق المطار، صدارة الإهتمام، خصوصًا أنّه كان الخطاب الأول له منذ أكثر من شهر، تغيّرت فيه الكثير من المعطيات، خصوصًا على الصعيد الإقليمي.
وإذا كان السيد نصرالله استهلّ خطابه بالتأكيد على "سقوط الرهانات" التي رفعها الكثيرون ممّن ربطوا كلّ الاستحقاقات الداخلية بـ"مسار" الأزمة السورية والسقوط الذي توقّعوه "قريبًا" للنظام السوري، فإنّه عرّج سريعًا على الملف السوري ليؤكد أنّ الحلّ الوحيد المتاح هو الحلّ السياسي، والطريق للوصول إليه هو الحوار السياسي من دون أيّ شروطٍ مسبَقة. وهنا، لفت هجوم حاد لـ"دولة إقليمية غاضبة جدًا" من هذا المسار وتعمل على تعطيله، قال أنّ "الحرف الأول من اسمها هو المملكة العربية السعودية"، في موقفٍ لافِت وقد يكون غير مسبوق كما سارع بعض المراقبين للقول.
ومن باب "سقوط الرهانات" أيضًا، انتقل السيد نصرالله إلى الملفات الداخلية، حيث لفت "غمزه" من قناة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي سبق أن "نذر" العودة إلى بيروت من مطار دمشق، داعيًا إياه، من دون أن يسمّيه، لإعادة النظر بموقفه باعتبار أنّ مطار بيروت الدولي يستقبل كلّ اللبنانيين، كما أنّ من يريد العودة إلى مطار دمشق سيبقى حيث هو.
وفي الملف الحكومي، جدّد نصرالله الدعوة لحكومة على قاعدة "9-9-6" باعتبار أنّ تشكيلها يريح الجو العام في البلاد ويتّجه السياسيون إلى الحوار كما يتوقّف التعطيل، وشدّد على وجوب عقد جلسة لمجلس الوزراء تتناول ملفَّين ملحَّين هما ملف النفط والوضع الأمني، خصوصًا في ضوء أحداث طرابلس، متحدّثًا هنا أيضًا عن "ضغوط" يتعرض لها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تجعله "متردّدًا".
وكان لافتا إعلان السيد نصرالله تبنيه قضية المخطوفين والمفقودين ودعوته الى تحديد جهة رسمية لبنانية معنية بمتابعة تفاصيل القضية التي كان قد أخذ على عاتقه في العام 2006 على طاولة الحوار إثارتها مع السلطات الرسمية السورية، "قبل أن تُضيع تلك الفرصة"، وقال: "أنا سمعت مباشرة كلاما واضحاً عن استعداد سوري دائم للوصول بهذه الملفات إلى الخواتيم الواقعية والمعقولة".
"زمن المرشد قد ولّى"!
وعلى جري العادة، انقسم اللبنانيون حول خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بين من رحّبوا به بالمطلق ومن "تحفّظوا" على نقاطه أو اعترضوا عليه أيضًا بالمطلق. وبانتظار نضوج المواقف على هذا الصعيد، لفت ردّ عضو كتلة "الكتائب" النائب سامي الجميل الذي رفض حديث نصرالله عن "مفقودين"، مشدّدًا على أنّهم "معتقلون في السجون السورية"، فيما رأى عضو كتلة "المستقبل" النائب عمار حوري في مسألة دعوة نصر الله رئيس الحكومة السابق سعد الحريري للعودة الى لبنان من مطار بيروت وليس مطار دمشق "رياء وكذبا موصوفا"، مشيرًا إلى أنّ " نصر الله من خلال كلامه الفوقي، حاول الظهور بمظهر المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، لكنه لم يدرك بان زمن المرشد قد ولى".
وسط ذلك، بقيت مدينة طرابلس في واجهة الإهتمام، حيث بدأ الجيش اللبناني بالإنتشار في شارع سوريا الفاصل بين باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، بعد أن كانت المرحلة الأولى من انتشاره قوبِلت بـ"اشتعال" للمحاور المتقابلة، التي عاد لتسجّل "هدوء نسبيًا" خلال الليل، حيث توقفت الاشتباكات بعيد الحادية عشرة ليلاً بعد اتصالات مكثفة جرت مع المعنيين لتأمين دخول الجيش الى شارع سوريا، وهو ما حصل صباحًا.
يُذكَر أنّ الوحدات العسكرية كانت قد تعرّضت لاطلاق نار من محلة التبانة، فأصيب ثلاثة عسكريين بجروح. لكن انتشار قوة من اللواء الثاني عشر ومن مغاوير البحر على الخط الفاصل بين منطقتي القتال ادى الى انحسار ملحوظ في الاشتباكات وإن يكن الجيش لم يدخل بعد الاحياء الداخلية في المنطقتين. وسجل ليلا اطلاق قذائف صاروخية وتبادل لاطلاق النار.
كلمة أخيرة..
لا تبشّر المعطيات المختلفة بالخير على الصعيد الداخلي..
منذ أشهرٍ طويلة، والصورة على حالها، لم تخرقها سوى السجالات التي لا تقدّم ولا تؤخّر عملياً، فالفريقان على موقفهما، بين من يلوّح بحكومة يصنّفها "أمرًا واقعًا" ومن يصرّ على ثلثٍ يصفه بـ"الضامن".
وعلى هذه الشاكلة، يحكم "الجمود" كلّ الملفات من أصغرها إلى أكبرها.. وعلى الأرجح، سيبقى هو "الحاكم الأوحد"، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا..