تعيش بلدة "حلتا" البترونية اليوم صراعاً بين من يريد تحويلها إلى منطقة صناعية ومن لا يريد، وبين من يريد أن يؤمن "لقمة عيشه وتنمية هذه البلدة" ومن يعتبر أن تحويلها إلى منطقة صناعية لن يؤمن العمل إلا لمن هم من غير اللبنانيين.

في هذا الإطار، ورداً على بعض ما ورد في تقرير نشرته "النشرة"، وتطرقت فيه إلى "شطارة" أحد أصحاب الكسارات في البلدة من جهة وإلى المساعي لتحويل "حلتا" إلى بلدة صناعية من جهة ثانية، تجمع عدد من "المتضررين من عدم إقرار هذا التصنيف" إلى جانب مختار البلدة ومخاتير البلدات المجاورة، في رابطة مخاتير البترون، لشرح ملابسات هذا الملف لصحيفتنا.

"الضغوطات" هي السبب...

يوضح المواطن الحلتي الياس الحويك أنه وبسبب ظروف أدت به إلى مغادرة عمله، وبما أن أخاه "معلّم عمار"، قرر الأخوان العودة إلى البلدة ووجدا أن من مصلحتهما استثمار الأرض وإنشاء منشار حجر. ويقول: "تقدمنا برخصة بناء للمنشار وبرخصة صناعية إلا أن التنظيم المدني أكد لنا أنه لا يمكن منح أي رخصة طالما أن المنطقة غير مصنفة صناعية من الدرجة الثانية"، ويضيف: "حينها، طلبنا تحويل جزء من البلدة (بعيد عن المنازل السكنية ويفصل بينه وبينها الأوتوستراد الجديد) إلى منطقة صناعية وأخذنا موافقة أصحاب العقارات المحيطة، وحصلنا عليه بعد شهرين". إلا أن البعض "اعترض على ذلك لخلفيات مختلفة عن الواقع البيئي علماً أنهم لا يملكون أي قطعة أرض في الجوار، الأمر الذي أدى إلى تراجع التصنيف من الفئة الثانية إلى الفئة الرابعة والخامسة التي لا تسمح لنا بإنشاء أي شيء تقريباً، وذلك بعد ضغوطات".

عريضتان... وتبادل التهم بعدم المصداقية

بعد أن تم إلغاء التصنيف، توجه الأخوان إلى الأهالي ليوقعوا على عريضة تؤكد عدم معارضتهم للتصنيف، وختم صدقية التواقيع مختار حلتا رشيد طنوس، فبات في البلدة عريضتان: واحدة تريد تنفيذ التصنيف وأخرى تعارضه، والجانبان يتبادلان التهم حول صدقية التواقيع وحول ما إذا كان الموقعون من حلتا أو إذا كانوا قاصرين.

وتعليقاً على الإتهامات والإتهامات المضادة، دعا المجتمعون بـ"النشرة" إلى "تحقيق يشمل العريضتين لتظهر الحقيقة". وهذا ما شدد عليه المختار طنوس الذي أكد لـ"النشرة" أن "أحداً لم يوقع بدلاً عن أحد"، داعياً الدولة لمحاسبة من يتحايل عليها.

وعن سبب عدم نشره تصنيف المنطقة كصناعية مما دفع بالبعض إلى اعتبار أن هناك من يريد تمرير التصنيف خلسة لتمر المهلة القانونية المسموح بها للإعتراض عليه، قال: "لم ننشر التصنيف لأن التنظيم المدني أخذ المسألة على عاتقه ولكنني كنت قد نشرت المهلة الإدارية التي حصل عليها أنطوان الفغالي بمجبل الباطون والزفت ووضعته على باب الكنيسة وفي مكانين عامين آخرين".

"مين صحتو أفضل مني؟"

ورغم حصر التصنيف بجزء من البلدة، عبّر البعض عن تخوفهم من أن تتحول هذه البلدة الجميلة إلى شكا أخرى أي إلى بلدة معامل وتلوث، وهنا أوضح الحويك أنه جرى تحديد الصناعات الممنوعة في حال تم تصنيفها كمنطقة صناعية فئة ثانية، وهي التالية:

1) جميع صناعات الفئة الأولى

2) من صناعات الفئة الثانية ما يلي:

a. مجبل زفت

b. مصنوعات منجمية

c. زيوت وشحوم خام أو مكررة، الحيوانية المصدر

d. كشط ودبغ وكي للجلود

e. من الصناعات الكيميائية مواد عضوية كيميائية مختلفة

f. المسالخ على أنواعها

g. الإطارات والأنابيب من الكاوتشوك أو إعادة تصنيعها

h. مركبات البطاريات من الخلايا الأولية أو خلايا الإنتاج

3) من صناعات الفئة الثالثة والرابعة:

a. صمغ وجيلاتين من مواد حيوانية خام

b. تبييض أو صباغة الأقمشة

وبالتالي، فقد اعتبر أن التخوف من إنشاء "زفّاتة" في غير محله، مشيراً إلى أنه "تحت ستار الكسارة والبيئة بدأت الحملة على المنطقة الصناعية، ولكننا نحن فقط نريد التصنيف لإنشاء المنشار، وليوقفوا الكسارة إذا أرادوا فهذا لا يهمنا"، شارحاً أنه "على أي حال، إذا أقرت المنطقة الصناعية، تتوقف الكسارات والمقالع لأنها لا يمكنها أن تتعايش جنباً إلى جنب المعامل". إلا أن المعارضين أكدوا أن منشار الحجر لا يحتاج إلا إلى موافقة المحافظ، الأمر الذي نفاه بشدة الحويك.

وذكر بأن البلدة وجوارها تعيش من المقالع والكسارات منذ 60 عاماً على الأقل، مشدداً على بعد بلدته تحديداً عن مجرى نهر الجوز.

وأما عن ملف التحايل التي نشرته "النشرة" فقال: "هذا المستثمر جديد على القرية، أما نحن، فأهلها. وإذا كان هو مخطئًا فليحاسبوه... ولكن لماذا يدفع الأهالي الثمن؟" ولكنه نفى أن تكون تلك الكسارة قد أقفلت مراراً بالشمع الأحمر، مشيراً إلى أنه "ومنذ أن أقفلت لم يجر العمل عليها حتى الآن"، موضحاً أن التفجيرات التي سمعت منذ اكثر من 9 أشهر كانت من أجل رخصة البناء ولم يسمع أي شيء منذ ذلك الحين.

ورأى أن "ما يجري اليوم يضرب مصالحنا إذ إن المنطقة تعيش من قلة الموت، لا تربة خصبة للزراعة ولا مياه، وبالتالي ليس بيدنا حيلة إلا استثمار الصخر".

لا يجد المجتمعون بـ"النشرة" مشكلة في وجود مجبل إسمنت وإسفلت في بلدة "حلتا"، متسائلين: "ما الضرر الذي ينتج عنهما إذا كانا قد أنشئا بطريقة حديثة وعصرية لا تضرّ بالناس؟" إلا أن "النشرة" كانت قد حصلت على دراسة أعدها البروفيسور في جامعة "لوفان" في بلجيكا والمدير السابق لمركز الفيزياء النووية الدكتور يوسف المصري يؤكدان فيها الخطر الكبير على صحّة الناس جراء إنشاء هذا النوع من المعامل في البلدات. أما الياس الحويك فأكد أن "مجبل الباطون لا يحتاج إلا لفلتر ترابة، ولا يضرّ أبداً بالصحة".

في هذا الإطار، أشار مختار بلدة داعل سليمان حمادة إلى أنه ترعرع وهو يتنشق غبار المقالع وهو اليوم بصحة جيدة، وقال: "من منكم صحته أفضل من صحتي؟!"

وبحسب الناشطة الإجتماعية كلود صعب فإن "الأفكار الإقطاعية هي التي تقف بوجه التصنيف اليوم"، وقالت: "أمامنا خياران: إما أن نبيع أراضينا وإما نصنع مجالاً للعمل. فالمنطقة تفتقر لأي مشروع تنموي، لا صرف صحي صحيح لدينا"، معتبرة أن "تلوث المياه الجوفية الناتج عن عدم وجود نظام للصرف الصحي أكبر بكثير من محاولة البعض إنشاء طرق حديثة للتنمية والمحافظة على البيئة في آن واحد".

أما الحويك فأكد أنه سيستمر بمحاولة تحويل البلدة إلى منطقة صناعية طالما هذا حق له "لأننا نريد أن نعيش"، وإلا فليقوموا بخطة بديلة. أما المعارضون فاعتبروا أن "هذا النوع من المصالح لا يتوظف فيها أبناء البلدة بل من هم من غير اللبنانيين".

ويبقى التعويل على مؤسسات الدولة لكي تكون هي الفيصل في هذا الملف للمحافظة على طبيعة بلدنا ولتنمية الريف اللبناني في آن واحد، وذلك بناءً على دراسات علمية لا على ضغوطات ومحسوبيات من هنا وهناك... كما جرت العادة، للأسف، في بلدنا لبنان.