دعا رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش اللبنانيين إلى التكاتف مع بعضهم البعض "لإبعاد المخاطر الآتية من الخارج"، مشيراً إلى أننا "لم نكن يوماً بمنأى عما يحصل في سوريا، أو في مصر أو في أي بلد عربي آخر، وقد تأثرنا كثيراً بكل ما يجري حولنا".

وفي حديث إلى "النشرة"، استبعد أن يستقر الوضع في لبنان قبل أن يتحقق الإستقرار الكامل في سوريا والدول العربية، معتبراً أنه "لهذا السبب، فإن مصالحنا كلبنانيين تقضي باستعجال مؤتمر جنيف 2 وبأن يكون هناك حل سلمي في سوريا". وتابع: "بحسب ما نرى من حولنا ومن التاريخ، لا يمكن أن تؤدي الحرب إلى السلام، فالسلام يأتي بالتفاهم بين الفئات والشعوب"، ولفت إلى أنه، وبانتظار هذا الحل السلمي، "على السياسيين في لبنان أن يلعبوا دوراً توافقياً ويعملوا سوياً".

ودعا المطران درويش سياسيي لبنان "للتخلي عن مصالحهم الشخصية ولأن يتفاهموا لينظروا في كيفية تخطي هذه المرحلة"، وقال: "يد الله مع لبنان، وهناك ارادة إلهية تحميه رغم المخاطر لكي يبقى صامداً".

وانتقد النبرة السياسية المرتفعة التي تسيطر اليوم على الساحة اللبنانية، معتبراً أن هذه النبرة "ليست لمصلحة لبنان ولا لمصلحة أحد ولا لمصلحة أي طائفة وأي فئة"، متمنياً أن يعود أهل السياسة إلى لغة اللقاء والحوار والتفاهم.

لحرية مسيحية في الدول العريبة

وعن الأصولية التي تشهدها المنطقة اليوم، اعتبر المطران درويش أن "الأصوليات والتطرف أمور لا تطول، وهذا الأمر يشهد له التاريخ"، مشيراً إلى أن "المجتمع الإسلامي والمسيحي، بوعيه وانفتاحه ودون عنف يمكنه محاربة هذا التطرف". وأكد أن "موجة التطرف في البلدان العربية لن تطول، ولا عمق لها ولا نضج"، معتبراً أن الأصولية، "وكأنها أتت على صخر فلن تنمو".

ورأى أن هذا يسبب اضطهاداً للمسيحيين ولغير المسيحيين "فالتطرف يضر بالمسلمين لأن المتطرف لا يعرف حدوده، ويضطهد جاره وابن دينه، لكن المسيحيين، لأنهم أقلية، يتضررون منه أكثر".

وعن المسيحية المشرقية، أوضح أنه شارك "في لقاء المسيحيين المشرقيين في بيت عنيا والحبتور، وكان لقاء الحبتور مميزاً مع مسيحيين في البلاد العربية، وكل وفد تحدث عن معاناته وبات هناك لجنة مشتركة لدراسة الواقع وأخذ الخطوات اللازمة لتعزيز الوجود المسيحي في الشرق". وقال: "الصحافة انتقدت المؤتمرين المسيحيين اللذين عقدا مؤخرا، ولكنني أقول أنه في حال وجود أكثر من مؤتمر وأكثر من جهة تعمل على إنشاء المؤتمرات فهذا يكون غنى لبعضنا البعض. ومن المهم التنسيق مع بضعنا البعض لتعزيز الوجود المسيحي"، واصفاً الوثيقة التي صدرت عن مؤتمر الحبتور بأنها "خطوة إيجابية ومهمة جداً لتعزيز دور المسيحيين المشرقيين".

وطالب المطران درويش بأن "يكون للمسيحي حرية في كل البلدان العربية: حرية العبادة، حرية ممارسة الشعائر الدينية، حرية بناء الكنائس، وحرية التبشير أيضاً"، متسائلاً: "لم لا، فنحن مدعوون لإعلان إيماننا الصادق، فكما للآخر الحق بالتبشير لدينا أيضاً الحق بذلك". واعتبر أن "هذا أقل ما يمكن طلبه من البلدان العربية ومن الأنظمة الجديدة التي بدأت تنشأ".

800 عائلة نازحة من سوريا في زحلة والجوار

وعن النازحين السوريين في زحلة، أوضح أنه "منذ فترة لم يأت أشخاص جدد من سوريا، بعدما استتب الأمر في القصير وحمص. فبعض العائلات أتت من دمشق ولكن ليس بإطار نزوح دائم بل ذهاب وإياب من وإلى سوريا، ومن منطقة حلب أتى عدد قليل"، كاشفاً أن زحلة والجوار تضم اليوم "800 عائلة نازحة من سوريا". وأشار إلى "أننا بدأنا مرحلة جديدة مع النازحين اليوم، إذ إننا نرى معهم متى يمكنهم العودة إلى بلادهم ومناطقهم، لأنه يهمنا الحفاظ على الوجود المسيحي في سوريا، لذلك نشجعهم على العودة بأقرب وقت، إلا أن بعض الناس لا يمكنها العودة لأن منازلها مهدمة وأوضاعها صعبة".

ولفت إلى أنّ "ما جرى في معلولا وفي سائر المناطق المسيحية مؤخراً لم يؤثر علينا، إذ إن عدداً كبيراً من أهالي معلولا نزح داخل سوريا ولم يغادرها بل اتجه نحو الشام بسبب وجود أقارب له أو حتى منازل، والفئة الثالثة التي ليس لديها منازل ولا أقارب فهي تحت رعاية كنيستنا التي تهتم بهم بنوع خاص"، متأملاً أن يعود الأهالي إلى بلدتهم بأقرب وقت ممكن.

وتمنى المطران درويش على المؤسسات العالمية وبنوع خاص الأمم المتحدة أن تساعد السوريين النازحين داخل سوريا أكثر وتشجع من هم في لبنان على العودة وألا تطمّع النازحين القادمين إلى لبنان لكي يعودوا إلى سوريا"، شارحاً أن "هناك أراضٍ آمنة يمكن الرجوع إليها دون أن يشكل ذلك خطراً على أحد".

جهد دبلوماسي كنسي واضح!

وعن دور الكنيسة اليوم في ما يجري في الشرق، كشف المطران درويش عن تحركات دبلوماسية تقوم بها، ومساع جارية بين الفاتيكان والدول الكبرى، وبشكل خاص مع روسيا حيث يتم التنسيق مع الكنيسة الروسية لحماية المسيحيين في الشرق، معتبراً أن "هذا المجهود الدبلوماسي بات واضحاً".

وقال: "أصبح هنا وعي كبير لدى المسيحيين الغربيين حول المسيحيين المشرقيين، ويعود ذلك للبابا فرنسيس الذي أطلق أكثر من صرخة لمساعدة المسيحيين في الشرق وللسلام في سوريا والبلدان العربية وبنوع خاص المسيحيين"، معتبراً أن "يوم الصلاة الذي أطلقه في السابع من أيلول الماضي قام بردة فعل كبيرة في العالم، وفي كل مناسبة يدعو للصلاة لسوريا".

وأكد أن لقاءً جمعه بوفد كنسي روسي رأى من خلاله الجهد الواضح للكنيسة الروسية التي يهمها أيضاً أن يبقى المسيحيون في الشرق، واضعاً الأنباء عن فتح أبواب الهجرة للمسيحيين السوريين إلى روسيا وتسهيل ذلك لهم في إطار الإشاعات التي تهدف إلى إرسال رسالة تطمين ودعم لهم، "ولكن، في روسيا كما لدينا أيضاً، وعي كامل لضرورة بقاء المسيحيين في بلادهم".

تصوير بلال سلامة (الألبوم الكاملهنا)