بعد سنوات من المفاوضات الصعبة، نجحت إيران ومجموعة الدول الست بالوصول إلى اتفاق حول برنامج طهران النووي يجنب الساحتين الإقليمية والدولية المزيد من التصعيد، وهذا الأمر اعتبر من قبل معظم المراقبين إنجازاً كبيراً على المستوى العالمي، ودليلاً على أن المفاوضات أفضل وسيلة لحل النزاعات عوضاً عن الحل العسكري الذي ستكون نتائجه كارثية.

بغض النظر عن مضمون الإتفاق، هناك إنعكاسات له على الساحتين اللبنانية والسورية ينبغي التطرق لها، بالإضافة إلى مواقف كل من السعودية وإسرائيل، فهل يكون هذا الإتفاق مقدمة لمعالجة ملفات أخرى لا تزال عالقة؟

الحل في سوريا ولبنان قادم

لا يمكن فصل إعلان الأمم المتحدة عن موعد عقد مؤتمر جنيف الثاني، المتعلق بالأزمة السورية، عن النتائج التي توصلت إليها المباحثات بين إيران ومجموعة الدول الست، حيث كان من الواضح أن بداية حل أزمة الملف ​النووي الإيراني​ ستكون مقدمة من أجل تسريع آلية البحث عن حل سياسي للأزمة السورية.

في هذا السياق، يوضح الخبير الإستراتيجي ​طلال عتريسي​ أن هذا الإتفاق هو بمثابة إعلان عن أن الحوار والدبلوماسية والحلول السياسية ستكون عناوين المرحلة المقبلة، وهذا يعني من وجهة نظره أن منطق الحل السياسي في سوريا سيكون هو الأقوى، في حين أن الخيار العسكري سيتراجع بالنسبة إلى معظم القوى الفاعلة، لكن هذا لا يعني أن الأزمة السورية ستنتهي بمجرد إنعقاد مؤتمر جنيف الثاني، إلا أن من الممكن القول أنها وضعت على سكة الحل.

من جانبه، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسن زاده أن الإتفاق سوف يساعد على تسوية الأزمة السورية، ويشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تعترف بقدرة إيران على لعب دور إيجابي في حل مختلف أزمات المنطقة، ويرى أن واشنطن اليوم بحاجة إلى النفوذ الإيراني بعد الأدوار السلبية التي لعبتها بعض الدول الإقليمية خصوصاً السعودية، ويشدد على أن من المفترض في المرحلة المقبلة وضع آلية تساهم في إخراج الحل السياسي على الصعيد السوري.

في ما يتعلق بالساحة اللبنانية، يعتبر عتريسي، في حديث لـ"النشرة"، أنها مرتبطة بالصراع السوري أكثر من الواقع الإيراني، ويشير إلى أن الجهات المتضررة من الأجواء الإيجابية قد تعمد إلى العرقلة مرحلياً، لكنه يؤكد أن نجاح الحل السياسي في سوريا سوف ينعكس مباشرة على الوضع اللبناني.

أما زاده، فيؤكد في حديث لـ"النشرة" أن الإتفاق النووي سيساهم في تحصين الساحة اللبنانية من الناحية الأمنية، ولا يفصل التفجير المزدوج الذي تعرضت له السفارة الإيرانية في بيروت عن مواقف بعض الجهات المتضررة، لكنه يشير إلى أن المطلوب عالمياً القيام بتسويات لمختلف الأزمات في المنطقة.

الإسرائيلي سيصمت والسعودي قد يعرقل

على صعيد متصل، كان من اللافت موقف كل من السعودية وإسرائيل المتشدد الّذي رافق اعلان الإتفاق، على الرغم من أن نتائجه سوف تنعكس إستقراراً على المنطقة، قبل أن يبدأ التراجع نسبياً من خلال الصمت الإسرائيلي والتراجع السعودي.

وفي هذا الإطار، يؤكد عتريسي أن من المستحيل أن تقدم إسرائيل على أي عمل عدائي ضد إيران في الوقت الراهن، خصوصاً أن الأميركي يقول لها أنه يعرف مصلحتها أكثر منها، ويشير إلى أن هذا الأمر في حال حصوله ستكون له نتائج عكسية حيث ستقف معظم دول العالم إلى جانب طهران، ويلفت إلى بعض الأصوات الإسرائيلية التي تدعو رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى التراجع عن مواقفه المتصلبة من الإتفاق.

بدوره، يستبعد زاده أن تقدم إسرائيل على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية من دون ضوء أخضر أميركي، ويرى أن هذا الأمر غير ممكن كون واشنطن من الموقعين على الإتفاق، لكنه يرى ولادة جبهة عربية-إسرائيلية تسعى إلى العرقلة، ويشير إلى أن التقارب بين الرياض وتل أبيب قد يدفعهما إلى إتخاذ بعض الإجراءات التي تستهدف المصالح الإيرانية في أي رقعة من العالم.

ويوضح زاده أن لدى السعودية شعور اليوم بأنها مهمشة ودورها ثانوي بالنظر إلى ما كانت عليه في السابق، في حين أن عتريسي يعتبر أن لديها مخاوف من النفوذ الإيراني في المنطقة لا من القنبلة النووية، وهي قلقة بعد الإنفتاح الغربي على إيران.

في المحصلة، سوف تحمل الأيام المقبلة التداعيات الإيجابية لإتفاق جنيف النووي، لكن هل تتمكن القوى المتضررة من عرقلتها من خلال إستخدام بعض الأوراق الأمنية والسياسية؟