طرحت أوساط في التيار الوطني الحر على النائب ميشال عون إنشاء «قيادة جماعية» تهدف إلى ضمان استمرارية التيار. الفكرة واضحة، وموافقة عون شبه مبدئية، ويبقى أن ينتقل الطرح من إطاره الورقي إلى إطار عملي

في تشرين الثاني ، ذكرى الاستقلال اللبناني، توجه العماد ميشال عون من منفاه الباريسي إلى اللبنانيين، داعياً إياهم إلى بدء الاستعداد لما بعد مرحلة الوجود السوري في لبنان. حسبها «القائد» جيداً. أكّد أن «الجيش السوري لن يبقى طويلاً في لبنان»، لكنه حذّر من «أننا لسنا جاهزين بعد لمواجهة تداعيات هذه الخطوة، لذلك علينا أن نجلس ونفكر في ما بعد السوري».

يحفظ عونيون كثر هذا الدرس. استشراف المستقبل والتفكير الاستراتيجي على المدى البعيد ليسا غريبين عن فكر «القائد» وأسلوب عمله. ما الضير، إذاً، من تطبيق ذلك داخل «المؤسسة العونية»؟ من هنا جاء طرح أبناء «التيار الوطني الحر» مبدأ القيادة الجماعية للتيار في المرحلة المقبلة. لا يزال الأمر في إطار «الطرح»، والنقاش فيه يشهد الكثير من الأخذ والرد، والتأييد والرفض، إلا أن الجنرال ـ بحسب مصادر «الأخبار» ـ كان «إيجابياً، كما دائماً».

لا يخفى على أحد أن الحالة «العونية»، كما يشير اسمها، تمحورت أساساً حول شخص العماد عون ومواقفه وكاريزماه القيادية. لذلك، أثار الحديث عن إمكان تنحي الجنرال عن رئاسة التيار هواجس العونيين، مسؤولين ومناصرين. سألوا جنرالهم: «كيف نتحدث عن تغيير في القيادة من دون أن تكون أسس المؤسسة قد وضعت؟». وتساءلوا في ما بينهم: «على من سيقع الاختيار؟ الوزير جبران باسيل أم العميد شامل روكز؟». الهواجس كثيرة، والطامحون أكثر، والأكثر من ذلك من يعتبر كل منهم أنه «ضحّى أكثر من أي عوني آخر». فيما الخشية تسيطر على القاعدة الشعبية التي تربّت على «ما منترك عون ما منرضى بدالو»، من تشتت التيار وتشظّيه.

هذا النقاش شكّل صدمة إيجابية لعون الذي تيقن من أن البيت الداخلي يحتاج إلى إصلاح قبل التغيير: إذاً، الخطوة الأولى تأخير موعد «التسليم والتسلم»، ثم البدء بالتعديلات في النظام الداخلي، وعقد مشاورات مع النواب الوزراء والكوادر من أجل رصد طروحاتهم. تقول المصادر العونية إن الآراء بأكثريتها صبّت في اتجاه «تأسيس قيادة جماعية، أو لجنة إذا صح التعبير، لمناقشة استمرارية التيار، ووضع خريطة عمل وتحديد الآليات اللازمة قبل جاهزية التيار لتنصيب قيادة جديدة».

في المحصّلة، الحديث عن قيادة جديدة وضع في الأدراج. فيما بدأ العميد بول مطر العمل على النظام الداخلي منذ شهرين. التعديلات على التعديلات لا تنتهي، والصراع ينعكس على المواد القانونية. يُوصد العاملون على النظام الجديد الأبواب جيداً، محظرين على أي كان الاطلاع على تفاصيل العمل. يدور النقاش حالياً حول ما إذا سيكون ملء المراكز القيادية بالانتخاب أو التعيين. أما في المناطق، فاتفق على النسبية، أول الأمثلة كان في فرن الشباك والحدث. يفضل المعنيون أن تبقى الأمور طي الكتمان، فالأمور لم تتوضح بعد.

يبقى المبدأ – الخلاف: «القيادة الجماعية». خلاف لأن بعض «الذين لا يدركون مصلحة التيار جيداً» خافوا منه، معتقدين أنه يعني عزل عون. بيد أن مناصري هذا الطرح يوضحون أنهم يعطون من خلاله «دوراً لكل شخص يجلس على طاولة القرار من دون أن يكون كل شيء محصوراً بشخص واحد، وذلك لا يعني بالتأكيد عزله». يضيفون أن «مصلحة التيار تقتضي كسر منطق الاستئثار بالقرار». أما مبدأ المداورة، فلا يعني تبديل رأس الهرم كل فترة، بل «توسيع قاعدته من خلال عدم حصر التمثيل السياسي بأشخاص معينين». ستتكون القيادة، إن حصلت، من «كوادر التيار التي لها رمزية خاصة بسبب نضالها في الحزب، ما يعطيها شرعية تخوّلها تنظيم المرحلة المقبلة». لا تعجب هذه الفكرة عدداً من القياديين. لا يعتقدون أن هذا الأمر يناسب تياراً سياسياً، «فهو ليس مؤسسة تجارية لتطبيق مبدأ القيادة الجماعية». يرفضون الغوص في الموضوع «لأنه غير قابل للتطبيق».

سأل أحدهم عون يوماً: «هل تريد أن تبني تياراً لنا أم لك؟»، الجواب كان «لكم»، فرد عليه الشخص: «إذاً اتركنا نقوم بما نراه مناسباً». فعون، داخل التيار، يصر على متابعة أدق التفاصيل، وهو «ما لن ينجح أحد آخر في فعله. انطلاقاً من هنا، تتحدث المصادر عن خطر توريث «الحالة» أو الزعامة؛ إذ «يجب أن ترتكز روحية أي حل على الانتخابات وتقسيم العمل ووضع الضوابط اللازمة منعاً لتفكك الجماعة وحفاظاً على تضامنها والتزامها».

لم يوافق عون على طرح رجاله، لكنه لم يصدهم. كما هي حاله دائماً، لم يكن جوابه شافياً أو واضحاً. تصر المصادر على أنه كان «إيجابياً جداً، ما سمح بأن يأخذ النقاش مداه». يبقى هدفان أساسيان من أجل الوصول إلى الخواتيم السعيدة. أولاً، أن يتفق أبناء المؤسسة «المتصارعين» على استمرارية التيار منعاً للشرذمة. وثانياً، «أن لا تحرق القيادة المؤقتة المراحل والعمل بتروٍّ من أجل مصلحة التيار».