لا أحد ينكر ما تقوم به إسرائيل من عمليات تجسس نوعية على مختلف الدول العربية، سواء فيما يتعلق بجمع المعلومات عن كل ما يدور في أروقة الحكومات وقصور الرئاسة واجتماعات مجالس الوزراء، أو حتى على مستوى الشخصيات القيادية والرسمية، سيما وأنها ضُبطت متلبسة أكثر من مرة، ولكن عندما يجري الحديث عن عمليات التجسس في لبنان فالأمر يصبح مختلفاً، إذ نتحدث عن "حزب الله" الذي أصبحت إسرائيل تعتبره قوة إقليمية كبرى في المنطقة، لما يشكله من خطر حقيقي محدق يتهددها في كل المحافل، ما يؤكد وجود صراع تكنولوجي حقيقي بين الجانبين.

"النشرة" تحدثت في هذا الموضوع مع خبراء واختصاصيين في الشأن الإسرائيلي لمّحوا إلى جملة من الصعوبات التي تواجه إسرائيل في عمليات التجسس على لبنان ونقص في الحصول على المعلومات، رغم تشكيل الجيش الإسرائيلي وحدة "سايبر" 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وجهاز الأمن الإسرائيلي، المختصة في عمليات التجسس والتنصّت وجمع المعلومات، لكنهم بالمقابل أكدوا أن "حزب الله" يتجسس على إسرائيل ويراقبها ويتابع كل ما يجري فيها بدقة، إذ يشكل ذلك خطراً يتهدد الأمن القومي الإسرائيلي بالنسبة لهم، ما يعني وجود حرب خفية مشتعلة بين "إسرائيل" و "حزب الله".

وفي وقت سابق، أكد لبنان أنه يتعرض لعمليات تجسس إسرائيلية واسعة، قال إنها تشمل سفارات غربية انطلاقا من مواقع تنصت على الحدود، وأبلغ سفراء الدول الغربية وقوة المراقبة الدولية (يونيفيل) بأن عمليات التجسس الإسرائيلية تستهدف كل الأراضي اللبنانية، وتشمل مختلف نظم الاتصالات والإنترنت.

لبنان له النصيب الأكبر

وفي هذا السياق، لفت المختصّ في الشأن الإسرائيلي ​مأمون أبو عامر​ أنّ هناك وجودًا إسرائيليًا للتجسس في كل البلدان العربية، لكنه أشار إلى أن لبنان له النصيب الأكبر في ذلك بالنسبة لإسرائيل، بفعل وجود "حزب الله" الذي يعتبر هدفاً أساسيًا لإسرائيل، إلى جانب التجسّس على كل قوى المقاومة التي تقف عثرة أمامها وتكون مستهدفة.

وفي حديث لـ"النشرة"، يلفت أبو عامر إلى أن هنالك العديد من برامج التجسس الإسرائيلية التي كشف عنها مراراً في لبنان، إضافة لعملاء كبار يعملون من خلال شبكات الخلوي وتزوير الأرقام ونقل بعض أرقام الشخصيات ومتابعتهم، والتنصت على المكالمات داخل لبنان، وخصوصاً في الجنوب إذ كشف على عدة مواقع تقوم ببث إشارات ومكالمات إلى إسرائيل.

ويشير أبو عامر إلى أن إسرائيل بقدر ما لديها منظومة معلومات متكاملة، تستطيع من خلال عمليات التجسس التي تقوم بها أن تحدد سياستها تجاه المنظمات والأحزاب والقوى في لبنان، لافتاً إلى أنها تتجسس على محطات الهاتف الأرضي والخلوي في لبنان، وهي تريد معرفة كل ما يدور من شاردة وواردة داخل لبنان. ويضيف: "عمليات التجسس عبر شبكات الاتصال أو نصب وحدات لالتقاط المكالمات داخل لبنان عملية مستمرة، هي تريد كمًا هائلاً من المعلومات الاستخبارية لتحديد سياستها العامة".

وكانت السلطات اللبنانية شنت عام 2009 عملية واسعة ضد ​شبكات التجسس الإسرائيلية​، كما أن "حزب الله" أعلن مراراً ضبط معدات تجسس إسرائيلية في مناطق نفوذه بالضاحية الجنوبية لبيروت، وفي جنوب لبنان وشرقه.

صراع تكنولوجيا حقيقي

في المقابل، يؤكد الكاتب والخبير في الشؤون الإسرائيلية ​أكرم عطالله​ أنّ "حزب الله" يتجسس على إسرائيل ويراقبها ويتابع كل ما يجري فيها بدقة، لافتاً إلى أنّ هناك صراع تكنولوجيا حقيقيا بين الجانبين، سيما وأنّ إسرائيل ضبطت متلبسة وهي تتجسس على شبكة الاتصالات اللبنانية سابقاً، إضافة إلى حجم المعلومات الّذي يحصل يوميا عليه الجانب الإسرائيلي عما يدور في لبنان يؤكد أن إسرائيل تتجسس فعلياً على لبنان.

عطالله يشير في حديثه مع "النشرة"، إلى المخاوف الإسرائيلية من قدرة وقوة "حزب الله" القتالية والصاروخية، التي أقرت بها إسرائيل حينما قالت أن الحزب يمتلك 200 طائرة بدون طيار، وأن في كل بيت من بين عشرة منازل هناك صواريخ مجهزة لـ"حزب الله" وموجهة نحو إسرائيل، فضلاً عن امتلاكه لـ 280 ألف صاروخ، إذ أنّ هذا كله يأتي في إطار ما تقوم به من عمليات تجسس.

ويقول عطالله: "إن حزب الله أصبح في نظر إسرائيل قوة إقليمية كبرى، تنظر إليه بشكل مختلف، خصوصاً بعد أن أصبح لديه نفوذ داخل سوريا بفضل أنه ساهم في إبقاء النظام داخلها، وهذا يعتبر أمرًا مخيفًا بالنسبة لإسرائيل ويشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لها".

إسرائيل تواجه صعوبات في التجسس

ويوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن إسرائيل معنية بالدرجة الأولى بالتجسس على لبنان، إذ أن هذه الجبهة تشكل تهديداً كبيراً على الأمن الإسرائيلي، ومن الطبيعي أن تتجسس عليها لمعرفة كل ما يدور في "حزب الله" على وجه الخصوص.

ويشدد عطالله على أن إسرائيل اعترفت أن "حزب الله" استطاع اختراق منظومة الاتصالات الإسرائيلية أثناء العدوان الأخير على لبنان، ما يعني أن الحزب متفوق في التكنولوجيا ويدرب عناصره جيداً، والدليل أن طائرة "أيوب" التي كانت بمثابة تطور خطير بالنسبة لإسرائيل.

ويلمح عطالله إلى الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في عمليات التجسس على لبنان، سيما وأنها لم تستطع الاستيلاء على كل المعلومات المتعلقة خصوصاً بـ"حزب الله"، إذ أن له شبكة اتصالات أرضية ولا يستخدم الهواتف النقالة، فهذا يصعب الأمر على إسرائيل من إمكانية اختراق هذه المنظومة الكبيرة.

في المحصلة، تبقى محاولات التجسس الإسرائيلية على لبنان متكررة ولن تنقطع لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل من أجل معرفة كل ما يدور في الساحة اللبنانية، أو حتى التجسس على مسؤولين لبنانيين لتحديد سياستها تجاههم، وفكرة مواجهة ذلك لبنانياً تبقى ضعيفة لأن لا أحد باستطاعته إغلاق مجاله الجوي، ولكن بالمقابل، قدرة إسرائيل على جمع المعلومات وخصوصاً عن "حزب الله" تبدو ضعيفة لما يدور بين الطرفين من حرب خفية لا تنتهي إلا بزوال الاحتلال، وفشل كل محاولات التجسس الإسرائيلية على لبنان.