شكلت زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأخيرة الى إيران محور إهتمام ومراقبة من قبل مجموعة من الأقطاب العراقيين الداخليين ومن قبل جيرانهم العرب في المنطقة ايضا.

وتأتي هذه الزيارة وهي الأولى للمالكي بعد إعادة إنتخابه لولاية ثانية في ظل ظروف ومتغيرات كثيرة تشهدها الساحة العراقية تحديداً والمنطقة عموماً في مواسم (الربيع العربي) والتغيير الذي طرأعلى خارطة التحالفات السياسية، لا بل على ماهية حكم بعض الأنظمة العربية التي طالتها تلك "الثورات"، فغادر رئيس الوزراء العراقي بغداد تاركا وراءه أزمة سياسية متفاقمة مع حلفاء الأمس أي الأكراد وعلى رأسهم رئيس "إقليم كردستان" مسعود بارزاني، ناهيك عن السجال المستمر مع خصمه "اللدود" في القائمة العراقية ومن تمثل، إضافة الى إشتباك كلامي عنيف اللهجة مع الجارة التركية وتحديدا مع رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان.

لكن تركيا يبدو انها حسمت امرها ودخلت في صلب الصراع العراقي الداخلي، وهي ذهبت الى حد المجاهرة بذلك، مدّعية رغبتها "حماية الممارسة الديموقراطية في العراق"، متخذة صفاً لا يمكن ان يجاري سياساتها السابقة في تدوير الزوايا و"تصفير المشاكل" الذي كان عنوان السياسة "الأوغلوية"، هذا الإصطفاف الذي تجاوز النزاع الإقليمي وخلافات مراكز القرار الى إنغماسه في الوحول الداخلية لبعض الدول.

السؤال الذي تداولته الأوساط السياسية العربية يشير الى ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قام بزيارة طهران ردا على زيارة خصمه الجديد رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لأنقرة والكلام العالي النبرة الذي اطلق من هناك، ناهيك عن تحديه للمالكي من خلال لقائه نائب رئيس الجمهورية المطلوب للقضاء العراقي طارق الهاشمي، والذي يصر المالكي على محاكمته وتسليمه إلى القضاء.

ومن يراقب الحفاوة الإيرانية المبالغ بها التي استقبل بها رئيس الحكومة العراقية بدءا من وصوله إلى المطار حتى إستقباله من قبل المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي يدرك ان العراق قد دخل في "جبهة" تخالف إرادة معظم من حضر القمة العربية الأخيرة في بغداد.

صحيح ان المالكي الذي كرر زيارته إلى طهران ساعياً الى تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات وليكون بلده جسرا للتواصل بين إيران وبما تمثل، وبين محيطه العربي المهتز اليوم، إلا أن ذلك لا يمكن ان يلغي الكلام الدقيق لمضيفيه الذين كانوا اكثر دقة في التعبير عن تطلعاتهم لإنشاء تحالف قوي بين البلدين ولو بصيغ مختلفة، وكلام نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي عن ان "البلدين إذا ما اتحدا فإنهما سيشكلان قوة كبرى في العالم" هوخير دليل على ذلك.

محللون سياسيون وضعوا هذا الكلام في سياق سعي إيران الى انشاء محور يضم الى جانبها سورية والعراق وتركيا ولبنان وتحديدا حزب الله فيه، إلا ان موقف تركيا من الأزمة السورية وبعض مواقفها من ثورات العالم العربي أدى الى استبعادها من قبل ايران لا بل الى مخاصمتها.

اما اوساط رئيس الحكومة نوري المالكي فوضعت عناوين اخرى للزيارة منها الملف النووي الإيراني، والاجتماع المزمع عقده بهذا الشأن في بغداد منتصف الشهر المقبل، إضافة الى المسائل الشائكة وما يتعلق بترسيم الحدود وبناء منظومة اقتصادية بين العراق وايران وبقية الدول المجاورة، وبالطبع البحث بالأزمة السورية وإمكانات حلّها بطرق سياسية.

لاشك ان ما كشفته زيارة المالكي لطهران ما هو الا القليل مما تخفيه وراءها والتي ستظهر تداعياتها داخليا وخارجيا بالنسبة لبغداد التي ترأس الدورة الحالية للجامعة العربية لا سيما في ظل ما يحيط برئيس وزرائها نوري المالكي من خلافات من كل الجوانب حتى مع شركائه في الإئتلاف الحكومي وداخل حزبه الذين بدأوا يتململون من تفرده بالقرارات الهامة وهو غير عابئ بسلبية نتائجها.

ومهما كانت مقولة المالكي في توصيف العلاقة مع طهران، فإن دونها عقبات تحول دون الإندماج الكامل او على الأقل بما يزعج الأميركيين المرتبطين بعلاقات استراتيجية مع العراق، ما يعني أن لا مفاعيل لها على الأرض ما عدا رغبة العراقيين الذين يريدون ألا يكون بلدهم "الجّار العاق" في محيط عربي ينتمي اليه اولا.

قد تكون الغاية من زيارة المالكي الى ايران طلب التوسط لدى الأكراد لتخفيف الضغط القاسي الذي يمارسه ضده تحديدا البارزاني وذلك تبعاً للعلاقات الودية التي تربطه مع ايران، وقد تكون رسالة تطمين للولايات المتحدة بشأن الملف النووي الإيراني واللقاء المنتظر في بغداد مع مجموعة (5+1)، وفي نفس الوقت تتعهد لايران أن اي اتفاقية امنية مع واشنطن لن تكون موجهة ضد الجمهورية الإسلامية ولن يكون العراق قاعدة لضرب الجيران، فهل يستطيع المالكي إقامة علاقات ودية مع واشنطن وطهران معاً وتجنيب المنطقة حريقاً قد لا ينطفئ بسهولة.