ضحك رئيس حزب «القوات الللبنانية» الدكتور سمير جعجع كثيراً عندما أرسل إليه خصمه التاريخي رسالةً تقول: «لا تُفاجأ سأوافق على ترشيحك لانتخابات الرئاسة».

لم يلبث رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون بعد يومين إلّا وأعلن في تصريح صحافي تأييده ترشيح جعجع للرئاسة. ومثلما أوصاه الجنرال، فإنّ جعجع لم يُفاجأ.

يتَّفق عون وجعجع هذه الأيام من دون أن يتَّفقا. خريطة الطريق إلى كرسي الرئاسة الأولى لم تعد غامضة، ومن يريد خوض المعركة، لا عليه سواء كان مكرهاً أو بطيبة خاطر، إلّا أن يسلك هذا الدرب. نصاب جلسة الانتخاب هو المعبر، الى عقد الجلسة، ولهذا تتواصل الاتصالات بين الخصمين للاتفاق على هذا الموضوع، وتتشعَّب لتصل الى بكركي التي تطمح للعب الدور الأول في اختيار الرئيس.

الاتفاق على النصاب يَعني عقدَ الجلسة، وترك النزاع للبوانتاج الصعب، الذي يمكن أن يشبه ما قبل جلسة انتخاب الرئيس سليمان فرنجية في العام 1972. يومها حَسَمت أصوات "المعلم" كمال جنبلاط انتخاب فرنجية، واليوم يتطلع الجميع الى أصوات "المعلم وليد"، الذي يحتاج "فكّ ألغازه الرئاسية إلى ليلى عبد اللطيف"، كما يقول أحد الأقطاب ساخراً.

يضحك جعجع عند التطرّق الى جرأة "صديقه" الجنرال... ربما هذه ليست جرأة بل خطوة محسوبة جيداً، ستؤدي في رأي خصمه الى تعزيز حظوظه الرئاسية، خصوصاً لدى حليفه الصامت "حزب الله".

يُخيِّرهم الجنرال بهذا الترشيح بين أمرين: أنا أو الشيطان. يضعهم في زاوية، يقطع عليهم الطريق لكي لا يُكرِّروا ما فعلوه بالعميد شامل روكز، الذي يستحق أن يكون قائداً للجيش. المهل لا ترحم، وهذه هي التجربة الأخيرة قبل الدخول في سقوط حلم الرئاسة.

من غير المعروف، إذا ما كان عون سيؤيّد نصاب النصف زائداً واحداً أم لا. الأمر مرهون بموقف "حزب الله"، وبالبوانتاج النيابي، كما هو مرهون بالرئيس نبيه برّي الناخب الاساسي الذي يعمل منذ الآن لانتخاب صديقه القديم، ومرشَّحه الدائم.

مهَّد الجنرال ساحته المسيحية جيداً. حيَّد النائب سليمان فرنجية من السباق، لكنه غير مطمئن الى موقف "حزب الله"، وغير مرتاح الى ما يطبخه برّي مع بعض قياديّي تيار "المستقبل".

يصلح لوصف علاقة عون بحلفائه شعار: أنا أو الفوضى. كما يصلح هذا الشعار لوصف التلاقي الموضوعي بين جعجع وعون، اللذين يتنافسان كلّ من موقعه، على قاعدة النزاع بين مرشَّحين قويَّين يمثلان غالبية المسيحيين.

تبدو هواجس جعجع أقل، لكنّ معركته ليست أسهل. لا يقدم جعجع نفسه على أنه المرشح المسيحي القوي، لكنّ كلّ المؤشرات تدل على ذلك. ساحته المسيحية ليست خالية... فالرئيس أمين الجميل مرشَّح جدي، والنائب بطرس حرب كذلك، أما المرشحون الآخرون، فيتَّفق جعجع مع عون على محاربتهم، وعلى كشف المطابخ التي تُسوّق لهم، وهي مطابخ مشتركة بين بعض "8 و14 آذار".

انطلاقاً من ذلك يتمسَّك جعجع بتفسير الدستور لنصاب النصف زائداً واحداً، ويحاول إقناع عون بتبنّي هذا التفسير، لأنّ مجرد الاتفاق على هذا النصاب سيعني عقد جلسة الانتخاب، واختيار أحد الأقوياء، وذهاب المطابخ والطباخين والرئيس "المطبوخ" الى خبر كان.

يتطلع جعجع الى انتخابات الرئاسة كاستحقاق مصيري لـ"14 آذار". يدرك ويشعر أنّ العصب السنّي يؤيده باعتباره الوحيد القادر على مواجهة مشروع "حزب الله"، ويشعر كذلك أنه يلقى دعماً على مستوى القاعدة المسيحية الـ"14 آذارية" التي تريد رئيساً بمواصفات الرئيس القوي.

ويدرك أنّ بعض القيادات السنّية لا تماشي جمهورها في دعمه، لكنه واثق من موقف الرئيس سعد الحريري، ومن الحاجة العربية لانتخاب رئيس قادر على المواجهة، والكلام هنا لا يعني فقط موقف المملكة العربية السعودية، بل الكثير من الدول العربية المؤثرة.

ترك الموقف من المشروع الأرثوذكسي آثاراً على العلاقة بين جعجع وحلفائه، لكنّ ذلك بدأ يتبخر، وحلَّ مكانه مطالبة هؤلاء لجعجع بأن يبادر إلى خوض المعركة ليس كمرشح مسيحي ينافس عون في ملعبه، بل كمشروع رئيس يحمل اتفاق الطائف والشراكة الاسلامية - المسيحية، وعندها يكون دعم معركة جعجع للرئاسة، جزءاً من معركة استعادة الدولة والسيادة، في وجه مشروع "حزب الله" والنظام السوري.