جريمة اغتيال القيادي في المقاومة ​حسان اللقيس​ لا تبتعد كثيرا عن اغتيال قائد أركانها عماد مغنية عام 2008. فقد بينت المعلومات الأولية أن اللقيس المدرج على لائحة التصفية «الإسرائيلية» في إطار الحرب الأمنية التي أُعلنت باغتيال مغنية عقب الحرب العسكرية بين «إسرائيل» ومقاومة حزب الله عام 2006 تسير وفق المخطط لها بعدما استطاعت الاستخبارات الصهيونية أن تصل الى قيادي ثان بهذا الحجم.. الى من وصفته بـ»العقل اللامع» في اعتماد مباشر على معلومات دقيقة ورصد طويل الأمد وانتهاز الظروف الأمنية والسياسية المحيطة لتوجيه الضربة في القوت المناسب.

ما توفر من خلال تحليل المعطيات حتى الآن هو أن عملية اغتيال اللقيس سارت على نفس طريق اغتيال مغنية وأن من نفذها هي نفس الدائرة التي تولت اغتيال الأخير وإن اختلفت طريقة التنفيذ غير المتوقعة إسرائيلياً على الأقل في هذه المرحلة. ففي الوقت الذي انحصر التركيز فيه على العبوات الناسفة والسيارات المفخخة اتجه العدو الى أسلوب أكثر جرأة في الاغتيال وهو استخدام الرصاص المباشر في عملية تذكرنا بعمليات الاغتيال التي نفذتها وحدات كوماندوس «إسرائيلية» ضد قيادات في المقاومة الفلسطينية في بيروت عام 1973 وتونس عام 1988 والتي كشف النقاب بعد وقت طويل من تنفيذها انها استندت الى معلومات وفرها الجواسيس والعملاء قبل عصر التطور الالكتروني الذي لم يلغ الاعتماد على التجسس المباشر الذي لا يعتبر صعباً في ظل حالة الاحتراب القائمة في المنطقة وطبيعة التحالفات التي فرضت نفسها في الآونة الأخيرة بين دول عربية و»إسرائيل» وظهرت نتائجها في مدة قصيرة جداً على الأرض في مواضع ثلاثة الأول: استهداف السفارة الإيرانية في بيروت بتفجيرين انتحاريين والثاني: محاولة تغيير موازين القوى العسكرية في مواقع القتال الدائر في سورية عبر ضخ المزيد من السلاح والمسلحين اليها وفق قواعد جديدة واضحة انعكست في القلمون وكان العامل الإسرائيلي مباشراً فيها من خلال قيادة بعض العمليات وتنسيقها واستخدام كامل قدرته في التشويش على اتصالات الجيش السوري وحلفائه والثالث: اغتيال اللقيس الذي هو «ثمرة» كل تلك المحاولات التي وزعت حكومة «تل أبيب» شهادات التقدير على اساسها لقيادة استخباراتها.

ما اتضح حتى الآن من خلال التحقيقات التي تجريها أجهزة أمنية متخصصة جداً في متابعة أثر عملية اغتيال «العقل اللامع» أنها نفذت وفق بروتوكولات التعاون الاستخباراتي بين العدو الإسرائيلي وأجهزة استخبارات عربية مؤثرة جداً أيضاً ولها باع طويلة في إدارة الحرب الأمنية في لبنان وتحديداً في بعض مناطقه التي للأجهزة اللبنانية التابعة لها فيها «بيئة حاضنة» ما يسلط الضوء على الكثير من الحوادث التي تجري في هذا البلد وارتباطها بمخطط واحد وجهاز تنفيذي قادر على التحرك بحرية وسهولة وتسهيل تحرك من يُمنح تصريحاً بذلك لتحقيق الأهداف المشتركة التي تم الإتفاق عليها في اجتماعات سرية جرت بين رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان ورئيس «الموساد الإسرائيلي تامير باردو» في النصف الأول من شهر تشرين الثاني الماضي في أحد الفنادق الفاخرة بالعقبة في الأردن على خلفية المحادثات النووية بين إيران ومجموعة «5 1» إلا أن اجتماعات «بندر باردو» بحثت بكل جوانب الرد عقب ما اعتبراه «خذلاناً» أميركياً حيال الموقف من سورية بعد تراجع الرئيس باراك أوباما في اللحظة الأخيرة عن قرار شن عدوان من شأنه تغيير مجرى الرياح في المنطقة بعدما اتجهت عكس ما تشتهيه سفنهما فيها.

كثيرون ينتظرون رد حزب الله على عملية اغتيال اللقيس التي تضاف الى سجل العدو الإجرامي لا سيما في هذا النوع منه فمن اغتيال الشيخ راغب حرب الى السيد عباس الموسوي الى قائد الأركان «رضوان» كان للحزب اسلوبه في الرد النوعي أيضاً فهو قد أفشل كل مخططات «إسرائيل» سياسياً وميدانياً وأثبت لها أنه قادر على منعها من تحقيق أهدافها بالقوة وأنه فرض نفسه في معادلة الصراع إقليمياً ودولياً حتى وذلك باعتراف قادته الذين يتحدثون عن أن الحزب يمتلك قدرات لا يمتلكها 90 من دول العالم في حين أن الرد على اغتيال اللقيس لن يكون بغير الأسلوب الذي اتبع في الرد على اغتيال القادة الآخرين ولن يكون خارج ساحات الحرب المفتوحة سياسياً وعسكرياً وأمنياً ناهيك عن أن الحزب يدرك جيداً أن مصيره غير مرتبط بقيادي بعينه وأن مسيرته لن تتوقف عند سقوطه في ساحة جهاد أعد لها كل ما أوتي من قوة ورباط خيل.