بعد الاعتداءات المتكررة والمستمرة على العلويين في طرابلس، جاء دور المسيحيين، والبداية كانت بالاعتراض «الناري» على شعائرهم الدينية المستجد على «مدينة التعايش».

فيما تعيش طرابلس تداعيات جولة الاشتباكات الـ18 الأخيرة، سُجّل حادثان لافتان أمس أعادا تسليط الأضواء على الوضع الأمني في المدينة. الحادث الأول له علاقة بالأزمة المذهبية المفتوحة مع أهالي جبل محسن وأبناء الطائفة العلوية، والثاني عاد بالذاكرة سنوات إلى الوراء، محاولاً إحياء صراع طائفي مع المسيحيين.

فصباح أمس، تعرّض مواطنان من جبل محسن هما سامر الأسود وحيدر سعيفان لإطلاق نار في منطقة البداوي من قبل مجهولين، ما أحدث خضة في المنطقة سارع عناصر من الجيش واستخباراته إلى تطويق ذيولها. أما الحادث الخطير الثاني، فهو إحراق شجرة ميلاد عند مستديرة مستشفى النيني، ما أحدث صدمة في المدينة.

فقد أضرم مجهولون النار في الشجرة التي يجري تجهيزها فاحترق جانب منها. أثار هذا الفعل موجة من ردود الفعل المستنكرة، ومن مخاوف أن تكون حادثة كهذه مقدمة للقضاء على ما بقي من وجود مسيحي، وهو في كل الأحوال قليل، في طرابلس. وهي تأتي في غمرة التعرض للعلويين الذين يغادرون المدينة، حالهم حال عدد من كبير من المواطنين السّنة.

هذه الحادثة دفعت بعض الجهات المعنية، كالبلدية وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس، إلى تصويرها حدثاً طبيعياً، وأن الحريق نشب نتيجة احتكاك كهربائي وليس حريقاً متعمداً. لكن مصادر مطلعة أكدت لـ«الأخبار» أن «الحريق مفتعل؛ لأن كابلات الكهرباء لم توصل بعد بالشجرة، التي لا تزال قيد التجهيز».

الاعتداءات على العلويين، على خطورتها لم تعد مستغربة، لأن القوى السياسية والأمنية في المدينة تغطي مرتكبي هذه الجرائم. لكن الاعتراض على ممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية أمر مستجد على طرابلس.

فالوجود المسيحي في طرابلس ليس طارئاً عليها، فهي تضمّ أكثر من 30 كنيسة ترتفع فيها صلوات مختلف المذاهب المسيحية، المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية والأرمنية والإنجيلية. وفيها شارع رئيسي هو شارع الكنائس وآخر اسمه المطران، وهما من أشهر شوارع المدينة، كذلك فإن حارة السيدة التي تقع على خط التماس بين باب التبانة وجبل محسن، كانت حتى مطلع الحرب الأهلية 1975 إحدى أشهر حارات طرابلس وأكثرها نبضاً وحركة.

وفي السنوات الأخيرة، شرع مواطنون ورجال أعمال في طرابلس بالتعاون مع البلدية، بوضع شجرة ميلاد عند مستديرة مستشفى النيني، كانت الأكبر في المدينة. واختيرت هذه المنطقة لأنها تضم خليطاً سكانياً من المسلمين والمسيحيين، وذلك حتى لا تثير استفزاز أو اعتراض أحد. فهي تجاور مستشفى النيني الشهير في المدينة الذي أسسه الطبيب المسيحي والطرابلسي المعروف وهيب النيني، المحاذي لكنيسة للروم الأرثوذكس، وعلى بعد أقل من 100 متر تقريباً ترتفع مئذنة أحد الجوامع.

طوال كل السنوات السابقة لم يبرز اعتراض على وضع الشجرة، إلا في بعض الأحيان، وكانت خافتة ولم تلق تجاوباً في الشارع الطرابلسي.

لذا كان ما حصل أمس مفاجئاً وصادماً. وأوضحت المصادر أنه «ارتفعت أصوات معارضة هذه السنة، وصدرت دعوات تحث على منع رفع الشجرة، من قبل مشايخ ورجال دين متشددين، ترفض أن يُعبّر المسيحيون عن شعائرهم في مدينة إسلامية مثل طرابلس بهذه الطريقة، تحت حجة أن مناطق مسيحية مثل زغرتا وجونية والبترون مثلاً، لا تحتفل بعيدي الفطر والأضحى وشهر رمضان».

لكن مصادر إسلامية معنية في طرابلس أشارت لـ«الأخبار» إلى أن «هذه الحجّة ساقطة، لأن المناطق المذكورة مسيحية بالكامل، بينما طرابلس مدينة متنوعة، وهذه ميزتها وأهميتها».

وعن دور بلدية طرابلس وعلاقتها بالموضوع، أوضحت مصادر أن رئيسها نادر غزال أوضح لمن راجعه بالموضوع، أنه «إذا تقدّم مواطن أو جهة طرابلسية إسلامية ما بطلب كي يُزيّن أو يحتفل بأعياد المسلمين مثل الفطر والأضحى والمولد النبوي والسنة الهجرية، فإنني أوافق طبعاً ضمن القانون. وكذلك الحال إذا جاءني مواطن أو جهة طرابلسية مسيحية تريد الاحتفال بأعياد الميلاد أو الفصح أو رأس السنة».

وأكدت المصادر أن «تصرفات كهذه تضرب اقتصاد المدينة المصاب بالشلل أصلاً، وتعطي انطباعاً سلبياً وقاتماً عن المدينة، وأنها متزمتة ومنغلقة وترفض الآخر». ولفتت إلى أن «مئات الطرابلسيين من مسلمين ومسيحيين، يتوجهون في هذه الفترة، إلى متنزه بنشعي في زغرتا، للاحتفال بسهرات تمتد حتى الفجر بمناسبة الأعياد، بينما طرابلس تقفل أغلب أسواقها قبل السادسة مساءً، وينام أكثر سكانها قبل التاسعة».