دلّت بعض الدراسات الحديثة أن العرب استنبطوا خطّهم عن الأقباط الذين كانوا يخطّون الأناجيل والرسائل. ومع انتشار الدعوة الإسلاميّة أصبحت الكتابة العربّية لغة القرآن. وسُجّلت بواسطتها الأحاديث الشريفة وما يوحي إليها. وجُمعت المصاحف في كتاب واحد وزِّع على البلدان التي اعتنقت الإسلام. فتهافت الفنّانون المسلمون على هذا الخطّ وتحوّلوا إليه. فأدّى هذا التحوّل الغني إلى مادة غنيّة بالزخرفة والتلوين وأصبح للخطّ العربي قيمة ومنزلة عالية في نفوس الفنّانين والقرّاء.
ومع التوسّع الإسلامي ازدادت الحاجة للخطّاطين لكتابة المصاحف حيث وصلت المنافسة إلى أوجّها بين المناطق، حتى أنه سُمّي كلّ خطّ باسم البلد الذي ابتكر فيها لتمييزه عن غيره.
أنواع الخطوط
ومن أهم الخطوط العربية المستعملة حالياً: أولاً، خطّ النسخ، وقد سُمّي بهذا الإسم لأنّ الخطّاطين نسخوا به الكتب والمصاحف والكتب الدينيّة والمؤلّفات. ثانياً، خطّ الرّقعة، وهو أسهل الخطوط العربيّة كتابة، لأنه لا تعقيدات فيه. وقد استعمل في كتابة عناوين الصحف وعناوين الكتب أحياناً كثيرة. ويُقال أن واضعه هو الخطّاط التركي ممتاز بك مصطفى. ثالثاً، خطّ الثّلث الذي يستعمل لكتابة سور القرآن، وكتابة اللوحات في المنازل وكتابة أسماء أصحاب الحوانيت. وخطّ الثلث من أصعب الخطوط ولا يعتبر خطاطاً من لم يتقن هذا الخطّ. رابعاً، الخط الفارسي، المختص بالفرس والعَجم وبه يكتبون رسائلهم وكتبهم. وكانت الكتابة العربية في إيران منذ البداية وسيلة الفرس في قراءة القرآن ثم أصبحت الفارسيّة لغتهم الرسميّة والقوميّة.خامساً، الخطّ الديواني، الذي يختصّ بالكتابة الرسميّة في ديوان الدولة العثمانية، وديوان الملوك والسلاطين. وبهذا الخطّ تُكتب التعيينات في الوظائف الكبيرة وتقليد المناصب الرفيعة وإعطاء البراءات والنياشين والأوسمة. ومن هذا الخطّ تفرّع نوع جديد من الخطوط سُمّي: خط الديواني الجلي وهو شبيه له بشكل كبير. سادساً، الخط الكوفي، وهو أصل الخط العربي. وقد غلبت عليه البساطة والأصول الهندسيّة التي هي من أهم مظاهره. وكان صعب القراءة في بادئ الأمر لخلّوه من الشكل والتنقيط، وهو بخلاف الخطوط الباقية التي تكتب بالريشة الحديديّة أو القصبة (الغزّارة)، يُكتب بطريقة الرسم الهندسي عامودياً وأفقياً. وسابعاً، خطّ الإجازة، وسُمّي أيضاً بخطّ التوقيع. فخطّ الإجازة وهي الشهادة التي تمنح للمتفوّق عند بلوغه الذّروة في جودة الخطّ. وهو مشتقّ من خطّي النسخ والثلث.
من العصر الذهبي إلى البطالة
عاش الخطّ العربي عصراً ذهبياً، مع تحوّله إلى مهنة يعتاش منها آلاف الخطّاطين في كافة الأقطار العربيّة، فكان لبعض كبرى الصحف في الدول العربيّة وحتى في لبنان أكثر من خطّاط يتعاونون في كتابة «مانشيتات» الصفحات الأولى والداخلية. وازدهر الخط العربي في المجال الطباعي والإعلاني. فكان الخطّاطون يكتبون بطاقات الأفراح وعناوين الكتب، بالإضافة إلى عمل بعضهم في كتابة اليافطات القماشيّة والآرمات الحديديّة فوق أبواب الملاحظات التجارية والمؤسّسات.
في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، هبّت عاصفة "الكومبيوتر" حيث تمكّنت من "قبع" الخطّ من جذوره، وكسّرت عدّة الخطاطين من ريش حديّة وقصب الغزار، وحلّت الكتابة على الكومبيوتر محلّ الخطّ اليدوي، فبدأ أصحاب الصحف والمجلات والمطابع وشركات الإعلان بالتخلّي عن الخطّاطين، ممّا خلق أزمة بطالة قاسية عانى منها، ولا يزال، عدد كبير من الخطّاطين.
نقيب الخطّاطين «جو حدّاد» وفي لقاء مع صحيفة "النشرة" الإلكترونية، شدّد على وجوب الحفاظ على الخطاطين في لبنان، "فبعد تكيّف عدد منهم مع التكنولوجيا الجديدة لا يزال عددا كبيرا منهم يعاني البطالة ويقتصر عمله على أعمالٍ صغيرة لا تمكنهم من العيش بكرامة، خاصة وأن سنّهم لم يعد يسمح لهم بالعمل بمجالاتٍ أخرى".
الخط في أدراج وزارة التربية
حلّ هذه العقدة بالنسبة لحداد سهل للغاية بحيث يمكن لوزارة التربية ان تعمد إلى إدراج مادة الخط العربي في المنهاج الدراسي في كافة المدارس، فيندمج الخطاطون في صفوف المعلمين لنشر الخط العربي بين الطلاب، خاصة وأن لديه تجربة إيجابية من خلال إعطائه دروساً في الخط العربي في عدد من المدارس اللبنانية.
ولفت حداد إلى أنه قام بزيارات عدّة مع مجموعة من الخطاطين لعدد من وزراء التربية في الحكومات المتعاقبة، وثم طرح إدراج مادة الخط العربي في المناهج التربوية. ولكن هذا الأمر بقي في أدراج وزارة التربية.
وفي العام 2002، وبعد انتخاب حداد نقبياً للخطاطين، زار وزير التربية آنذاك عبد الرحيم مراد مبنى النقابة واعداً الخطاطين بالعمل لإدخال هذه المادة في التعليم الأساسي، ولكن وعده ذهب أدراج الرياح. وتوالت الزيارات إلى جميع وزراء التربية السابقين ولكن من دون جدوى. وقد ناشد النقيب حداد وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال حسان دياب العمل بجدّ لمساعدة الخطاطين من خلال تصنيفهم كمعلّمين للخط العربي وإدخالهم إلى جميع المدارس لنشر أصول كتابة هذا الخط، مما يساعد في تحسين الخط عند الطلاب، وبالتالي المساهمة في مساعدة فئة كبيرة من المجتمع اللبناني بالعمل والعيش بكرامة.