. . . "تسمعون بالحروب فإِياَّكمْ أن تحزنوا . . . ستقوم أمّـةٌ على أمّـة ، ومـملكة على مـملكة وتَحْـدُث مجاعاتٌ وزلازل هنا وهنالك ، هذا كلُّه بَـدْء خلاص . . ."

منذ ألفين وبضع عشرة سنة ، وأنت تحمل معك في كلِّ ولادة هذا الوعد الى الأرض . . وعْـدَ بـدْء الخلاص ، وهذا الذي يجري اليوم على الأرض كأنما هو إيذانٌ بالخلاص الذي به وعدت . . . أمـمٌ تقوم على أمـم وممالك على ممالك وزلازل دموية ومجاعات .

وأنت "إنْ أرسلك الله الى العالم من أجل خلاص العالم" ومن أجل أن تَـقْهر روح الشر والشيطان في الآدميـين ، إلا أن العالم قدْ تمرّد على دعوتك ، ولا تزال نفوس الآدميـين تـتـنزّى بالإثم والشر ، ولا تزال روح الشيطان فيهم تـتمرد على روح الله .

بين ولادتك والجلجلة إلتقى بك الشعاع الهابط الى الأرض بالشعاع الصاعد الى السماء لتجعل في الأرض سماء وفي السماء أرضاً ، ومنذ زمانك حتى زمانـنا راحت تـتضارب نزعات مخاض الهابط والصاعد ، حتى انفصلت السماء عن الأرض وأصبح لكل كوكب إآـه .

أسألك في ذكرى ولادتك ، هل ستُكَـرِّر بعد رحلات النزول الى الحياة الدنيا ، كأنك تحاول في كل مرة إنعاش ذاكرة الإنسان بأنك صُلِبْـتَ من أجل خلاصه ، وهو في كل مرة يدعوك الى أن تصلب مرّة جديدة تكفيراً عن آثامه الفاحشة وخطاياه الآثـمة . . .؟

أنت في كل مرة ، تدعو بني البشر الى الرحمة والمحبة والتسامح والغفران والسلام . . "طوبى للداعين الى السلام فإنهم أبناء الله يدعون . . ." وهم في كل مرة يواجهون سلامك بالحرب ، ورحمتك بالعنف ، ومحبتك بالكراهية ، حتى جفَّتْ ينابيع دعوتك وتقلَّصَ فعْـلُكَ الحي في النفوس كما في التاريخ .

"إحمل صليبك واتبعني . ." بعض من رعاياك حمل صليبك معكوفاً ، ومدمَّى بـبني قومه ، وبكل ما تلوَّث به الصليب المدّنس من حقد وغريزة وشهوات .

والذين حملوا صليبك المقدس ، صليب الإضطهاد والشقاء والعذاب والحزن والفقر والجوع والعطش والدموع والتنهدات ، لا يزال القياصرة الوثنيون يرمون بهم بين مخالب الكواسر وأشداق الذئاب ، وأنت لا تزال توصيهم بأن "يباركوا لاعِنـيهِمْ ويصلُّوا من أجل من يضطهدهم . . ." وأن يديروا خدودهم للجلادين صاغرين .

يوم استـثارك أنت الكفر واستـفزَّك الشر ، رفعت السوط في وجه تجار الهيكل فصحَّ ما وصفك به جبران خليل جبران ، بأنك . . ." ما عشت مسكيناً خائفاً ولم تمت شاكياً متوجِّعاً ، بل عشت ثائراً وصُلِبْت متمرداً ومتَّ جباراً . ." أي أنك في مواجهة معادلة الكفر والعنف قد قابلت العنف بالصفح ولكنك واجهت الكفر بالسوط .

ولأن عالمنا اليوم هو عالم العنف الكافر ، فقد يواجه معك العاَلـمُ المعادلةَ نفسها ، فإما أن تعدّل وصاياك المنكسرة ليكون الخلاص بالأيسر الذي هو السوط ، وإما أن تـنقل الدنيا معك من جلجلة الأرض الى أبدية السماء .