ينشغل لبنان باستحقاق الرئاسة وتعويم الحكومة، لكنه يغيب عن مجريات المفاوضات الفلسطينية ــ الاسرائيلية، برغم انه معني بصورة اساسية بملف اللاجئين

يواجه لبنان، مع بدء السنة الجديدة، تحديات محلية كثيرة، كاستحقاق رئاسة الجمهورية واحتمال الفراغ الرئاسي، لكنه يواجه، ايضاً، اختبارين مهمين من شأنهما ان يرتدا عليه في صورة مباشرة، هما استحقاق المحكمة الدولية، وطرح قضية اللاجئين الفلسطنيين من ضمن بنود المفاوضات الفسلطينية ــــ الاسرائيلية. في المقابل، ينغمس المسؤولون اللبنانيون في الحدث المحلي، والسجال حول الحكومة المستقيلة وتعويمها او تأليف حكومة جديدة، وأزمة انتخابات رئاسة الجمهورية، ويغيبون على نحو كامل عن متابعة حثيثة للقضيتين. فيتركون الاولى في عهدة القوى السياسية المعنية بها، ويكتفي لبنان الرسمي بدعمها مالياً. مع العلم ان أعمال المحكمة الدولية ستكون ذات تأثير مباشر على الساحة الداخلية، والخشية ان تتطور ارتداداتها كما حدث مع المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا، التي حالما انطلقت أسهمت في تقسيم يوغسلافيا الى ست دول.

اما القضية الثانية، فهي وضع اللاجئين الفلسطينيين الذي يغيب لبنان عنه كلياً. فانصراف لبنان الرسمي عن متابعة التطورات الاقليمية والدولية، في هذه المرحلة الدقيقة، يذكّر تماماً بوضع المسؤولين رأسهم في الرمال عند نشوب الحرب السورية، ومع بدء تدفق اللاجئين السوريين الى لبنان. حينها تجاهلت معظم السلطة السياسية خطورة ما يجري على بعد كيلومترات من الحدود، الى أن بدأ الوضع السوري يتحول تدريجاً حرباً طويلة الامد، تتفاعل ارتداداتها على البقاع والشمال. وكذلك الامر حين انفجرت قضية النازحين السوريين، الذين تضاعفت اعدادهم على نحو ينذر بكارثة امنية واجتماعية، من دون ان يحاول اي من المسؤولين السياسيين التقاط المبادرة لوضع خطة عمل جدية بعيدا من صناديق المساعدات الاعلامية والمالية.

اليوم، تعيش المنطقة، مرة جديدة، تطورات نوعية، من مصر حيث الانقلاب على الاخوان المسلمين، وتركيا حيث تهتز سلطة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، الى العراق الذي يدخل مجددا في اتون الانفجارات، الى المفاوضات الاميركية التي يقودها وزير الخارجية جون كيري، مع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني. وهنا جوهر القضية التي تعني لبنان الغائب عن اي متابعة دولية واقليمية لما يدور حوله.

وبحسب أوساط سياسية مطلعة، ثمة نزعة محلية نحو التقليل من اهمية ما يجري اقليمياً، وخصوصاً في شأن الحركة التي يقودها وزير الخارجية الاميركي على الخط الاسرائيلي ــــ الفلسطيني. برغم ان التفاهم الذي ارسى قواعده كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول ايران وملفها النووي، وسوريا من ضمنه، هو الذي حيّد المنطقة لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد، وأبعد عنها احتمالات الحرب الكبرى. آنذاك ايضاً، كان لبنان غائباً عن متابعة احتمالات الضربة الاميركية وما تطور بعد إلغائها. وأقصى ما نتج عنه محليا هو السجال بين مؤيد للضربة ورافض لها.

من هنا اهمية رصد ما تنقله تقارير غربية تتحدث في صورة جدية عن مواعيد تبدأ في منتصف كانون الثاني المقبل من اجل اصدار اعلان فلسطيني ــــ اسرائيلي مشترك حول «تفاهم ما» يمكن ان ينتج عن جولات كيري المكوكية في المنطقة، ولا سيما ان هذه التقارير بدأت تتحدث تفصيلا عن سلسلة نقاط يجري التفاوض حولها وسط ايحاءات ببعض التقدم في ايجاد تفاهم حول بعضها، كما اوحى كيري بنفسه، واختلاف حاد حول بعض النقاط، ولا سيما منها ما يتعلق بالمستوطنات ومنح اراض لمصلحة اسرائيل، بحسب ما عبر عنه اخيراً أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه.

هذا المسار المتشابك والمتعدد الاتجاهات بين دول المنطقة، لا يمثل مصدر متابعة محلية، مع العلم ان قضية اللاجئين الفلسطينيين يفترض ان تكون من اولويات لبنان، بعدما تحولت منذ خمسين عاماً احد اسباب الصراع اللبناني، وتحول رفض توطينهم بنداً أساسياً في الدستور اللبناني. وخطورة تجاهله اليوم، نابعة ممّا تسربه مراكز غربية من جملة البنود المطروحة للتسوية، عن اقتراح بتوزيع اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في الدول المجاورة لفلسطين على عدد من الدول الغربية.

وهذا البند يعني لبنان في صورة مباشرة، لكنه قد يحوي في طياته لغماً بقدر ما يمكن ان يثير ارتياحاً لدى البعض، إذ إن عدداً من المؤسسات الاوروبية التي كانت تعنى بقضية اللاجئين سبق أن اعطت ارقاماً متدنية عن عددهم في لبنان، ما ينذر بمخاوف من احتمال ان تجري المفاوضات الدائرة حاليا بين السلطة الفلسطينية والاسرائيليين، وتتعلق في جزء منها بوضع اللاجئين، حول اعداد متدنية تكون مرشحة لاعادة توزيعهم في الغرب، وإبقاء قسم آخر قد يكون كبيراً منهم في لبنان.

وبحسب هذه الاوساط، فان هذه المفاوضات لم تثر، برغم الكلام عن تقدمها، أي اهتمام رسمي داخلي لمتابعتها مع السلطة الفلسطينية، والاستيضاح في شكل واضح وصريح عما يجري في الجانب المتعلق باللاجئين الفلسطينيين، حتى لا تأتي أي تسوية محتملة على حساب لبنان. فأي انشغال داخلي يجب الّا يحجب خطورة مثل هذه المتابعة، حتى لا يأتي الاهتمام متأخراً، فتتحول قضية حساسة وخطرة الى مزايدات اعلامية وسياسية في الوقت الضائع.