كما في كل سنة، سَيَرتدون ثياباً داكنة اللون خاصة الأسود، وسيَتَصنّعون وجهاً عابساً وفِكراً قلقاً، في سياق ضرورات المشهد "​التنجيم​ي" المُخادع الذي يُتقنونه. وهم سيحرصون على تَجنّب الإرتجال الذي يكشف تدجيلهم، وعلى حمل مُدوّنات مُحضّرة بإتقان مُسبقاً، وتتضمّن رؤوس أقلام غير واضحة، وعناوين عريضة لا نهاية حاسمة لها، وعبارات مَطّاطة تحمل أكثر من معنى وتفسير. وهم طبعاً لن يستخدموا التعابير التي يَعتمدها الصحافيّون والإعلاميّون والمُحلّلون، بل سيلجأون إلى تعابير مثل "غيمة سوداء" و"بركة دماء" و"مشهد حزن كبير" "وخضّة غير متوقّعة" و"مفاجأة غير سارة"، و"أناس يرتدون الأسود" وغيرها من تعابير "المشهد الدرامي" المطلوب و"السيناريو التمثيلي" الهادف إلى تعميم أجواء القلق والتوتّر في نفوس المُتابعين. وكل ما سبق من حيث الشكل والمضمون، يصبّ في خانة إدعاء "المُنجّمين" التمتّع بقدرات وبمواهب خاصة تُخوّلهم قراءة عالم الغيب والإنخراط بالماورائيّات، بينما كل "تنبؤاتهم" ما هي في الواقع إلا خُلاصة مُتابعتهم الدقيقة للتحاليل الصحافيّة في مجالات السياسة والأمن والإقتصاد والفنّ وغيرها. وهذه بعض "التنبؤات" المُتوقّعة والمُنتقاة عشوائياً، نتيجة تعذّر تعدادها كلّها في مقال واحد.

لبنانياً، قد يَتَحدّثون عن وزراء جدد وعن إستقالات وعن خلافات وتمرّد داخل وزارات رسميّة وعن تظاهرات، وهم في الواقع يُتابعون التحاليل الصحافيّة التي تتوقّع إعلان تشكيلة حكوميّة جديدة لا تلقى إجماعاً شاملاً من القوى السياسيّة الفاعلة، مع ما ستتسبّب به هذه الخطوة من مشاكل دستورية ومن تبعات قد تبلغ حد رفض تسليم بعض الوزارات والتظاهر في الشارع، خاصة في حال وصلنا إلى مواعيد الإستحقاقات الدستوريّة من دون إنتخاب رئيس جديد.

قد يَتَحدّثون عن صراخ وعن إهانات متبادلة تحت قبّة البرلمان، وهم يعلمون شأنهم شأن كل الصحافيّين والإعلاميّين، أنّ أوّل جسلة فعليّة لمجلس النوّاب اللبناني ستشهد مشاكل بالجملة، نتيجة تراكم المواضيع الخلافيّة التي جرى إرجاؤها، من مسألة تلزيم إستخراج النفط وصولاً إلى مسألة إقرار قانون إنتخابات نيابيّة جديد.

قد يَتَحدّثون عن محاكمات وإتهامات ستجرّ الويلات، والجميع بات يعرف أنّ أعمال المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستنطلق في كانون الثاني، مع ما ستثيره المحاكمات الغيابيّة لعدد من المتّهمين المُنتمين إلى "حزب الله" من خلافات سياسيّة ومذهبيّة داخليّة، إضافة إلى التراشق الإعلامي المحسوم، مع توقّع خطوات إعتراضيّة بطابع قانوني مرفقة بحملات إعلامية مضادة من جانب "الحزب"، من دون إستبعاد تنظيم تظاهرات شعبيّة أيضاً.

قد يَتَحدّثون عن مشاكل أمنيّة وعن إنفجارات هنا أو هناك، وكأنّهم يكشفون خبايا وأسرار فرعونيّة، والجميع يعرف أنّ الوضع المأساوي الذي مرّ لبنان به العام 2013، مرشّح للإستمرار وحتى للتصاعد خلال العام 2014، نتيجة تفاقم الأزمة السورية، وتوسّع تداخل مشاكلها بالوضع اللبناني الداخلي المأزوم، مع ما يستجلبه هذا الأمر من مخاطر إنفجارات وعمليّات أمنيّة بين القوى والجهات المتصارعة محلّياً وإقليمياً.

قد يَتَحدّثون عن رؤية مشهد حزين في الوسط الفنّي وعن بكاء وعن خسارة كبيرة للبنان في المجال الفنّي، وهم في الواقع يُتابعون مثلهم مثل الصحافيّين، الأخبار الصُحّية المُقلقة لأكثر من فنّان، بعضهم من أعلام الفنّ اللبناني، وسيَتَمنّون غياب هؤلاء الجسدي لتصحّ "تنبؤاتهم"، بدلاً من أنّ يُصَلّوا مع الآخرين بأنّ يمدّ الله بأعمارهم!

قد يَتَحدّثون عن طلاق وعن زواج عدد من فنّاني الصفّ الأوّل، محدّدين بعض الأسماء، علماً أنّ المجلّات والمواقع الإخباريّة الفنّية، خاصة المصنّفة "صفراء" الطابع، مليئة بأخبار خلافات زوجيّة كبيرة تحت السقف المنزلي لأكثر من شخصيّة فنّية مهمّة، وعن إجراءات قانونية تمهيداً للإنفصال، ومتخمة كذلك الأمر بقصص حب لمشاهير يُنتظر أن تُتوّج بالزواج هذا العام.

إقليمياً، قد يَتَحدّثون عن الدماء في سوريا، وعن محاولات فاشلة لإنهاء الصراع، في ظلّ سلبيّة التقارير الخاصة بمؤتمر "جنيف 2" حتى لو نجح المُنظّمون في عقده في موعده، وفي ظلّ عدم توقّع توقف المعارك العسكريّة خلال العام 2014، على الرغم من التغييرات الميدانية على الأرض.

قد يَتَحدّثون عن عودة متوقّعة للدماء إلى السودان، وهم يُتابعون مثلهم مثل الصحافيّين، أخبار محاولات الإنقلابات العسكريّة الفاشلة المتكرّرة ضد رئيس الدولة التي وُلدت منذ ثلاث سنوات في جنوب السودان، "سلفا كير مَيارديت"، والصراع على واردات النفط هناك.

قد يَتَحدّثون عن مصير حزين لرئيس الوزراء التركي، رجب طيّب أردوغان، علماً أنّ أزمة الفسائد الأخيرة التي ضربت عدداً من أركان حكومته جاءت لتفيض الكوب المليء بالمشاكل السياسية التي يعاني منها أردوغان مع المعارضة الداخلية ومع العديد من الدول العربيّة والإقليميّة، الأمر الذي يجعل إمكان سقوطه في المستقبل القريب وارداً بنسبة عالية.

قد يَتَحدّثون عن إستمرار للنزف في العراق، وعن مشهد تقسيمي فيه وعن مواجهات دمويّة، علماً أنّ الحركة الإعتراضيّة على الحكم الحالي آخذة بالتصاعد، وكذلك إجراءات قمعها، مع ما ستخلّفه من مواجهات مذهبيّة قد تصل حد إعلان إنفصال بعض الأجزاء الجغرافية ذات الأغلبيّة الشعبيّة السنّية، بموازاة محاولات مرتقبة لمنع هذا الأمر بالقوّة العسكريّة.

دَولياً، قد يَتَحدّثون عن إضطرابات أمنيّة جديدة في أفغانستان، وهم يُتابعون أنّ الجيش الأميركي سيُنجز إنسحابه العسكري من هناك قريباً، بموازاة إنتخابات داخليّة مُقرّرة قبل نهاية العام 2014 ما لم يَتِمّ إرجاؤها، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام مشاكل كبيرة مُنتظرة في ظلّ ضعف سلطة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي.

قد يَتَحدّثون عن ضعف متصاعد في قوّة تأثير السياسة الأميركيّة على الساحة العالمية، علماً أنّ التحليلات السياسيّة الخاصة بإنتخابات التجديد النصفيّة لمجلس النوّاب الأميركي التي ستنظّم أواخر العام 2014، تتوقّع خسارة الديمقراطيّين العديد من المقاعد أمام خصومهم، لا سيّما الجمهوريّين منهم، ما سيُكبّل سياسة الرئيس باراك أوباما أكثر فأكثر.

قد يَتَحدّثون أيضاً عن ذبذبات فضائية وعن حركة كونيّة غير مألوفة ستُعطّل بعض الأقمار الصناعية وشبكات الإتصالات وتُربك وسائل الملاحة وتتسبّب بالكوارث، علماً أنّ الحقيقة هي أنّ علماء الفيزياء والفضاء يتوقّعون وصول "عاصفة" من الإشعاعات الشمسيّة إلى الأرض قريباً، في ظاهرة مشابهة لما حدث في كندا في العام 1989 وتسبّب في حينه بتعطيل محوّلات كهربائيّة رئيسة، على أن تكون هذه المرّة أكثر قوّة وإلحاقاً للضرر. وهم سيُضاعفون مخاوف المواطنين بالأحاديث المعتادة عن زلزال من هنا وعن سقوط طائرة من هناك، وهي أحداث أقلّ من روتينيّة على مأساويّتها.

في الخلاصة، الأكيد أنّ الكثير من البُسطاء على المستويين العلمي والثقافي، ومن الضُعفاء على مستوى الحصانة الدينيّة والثقة بالنفس، سيَسقطون ضحايا غسل الدماغ البصري-السمعي لهؤلاء "المُنجّمين"، بترويج من قبل بعض وسائل الإعلام التي ترمي إلى رفع عدد مشاهديها مُعوّلة على الحشريّة الغرائزيّة التي تدفع الإنسان عموماً إلى متابعة كل ما له علاقة بالمستقبل. لكنّ الواجب المِهني والأخلاقي يَستَوجب تنبيه الجميع إلى مكر وخداع وكذب مدّعي التنبُّؤ والتنجيم. وكل عام وأنتم بخير...