من اللافت أن يعود كلٌّ من الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط إلى طَرح صيغة «8+8+8» المعدّلة والمطعّمة بوزيرَين مَلكين. إلّا أنّ هذا الطرح الذي يعتبر بمثابة عَود على بدء، لن ينال نصيبه من النجاح، لأنّ كلّ الظروف الموضوعية باتت تصبّ في اتجاه تعطيل تأليف الحكومة، خصوصاً بعد اغتيال الوزير السابق محمد شطح وانفجار حارة حريك.

يحقّ للرئيس برّي والنائب جنبلاط أن يحاولا، لكنّ المحاولة هذه المرة باتت تصطدم بجدار سميك لا يمكن لأيّ صيغة، ولَو مُبتكرة، تخَطّيه، نظراً للأحداث التي وضعَت تأليف الحكومة في ملفّ نائم.

فبالنسبة لقوى "14 آذار"، فإنّ صيغة "8+8+8" المعدَّلة تخَطّاها الزمن، فالشراكة مع "حزب الله" في حكومة واحدة على الأقلّ، إذا لم ينسحب من سوريا ولم يعترف بـ"إعلان بعبدا"، ليست واردة. وهذا ما أبلغَته هذه القوى الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، والى الرئيس المكلّف تمام سلام، فكيف إذا كانت هذه الصيغة مطعّمَة بفَخّ الوزير الملك ؟

تعتبر قوى "14 آذار" أنّ صيغة "8+8+8" هي صيغة "9+9+6" مُموَّهة، ورَفضُ الثانية هو رَفض للأولى، فضلاً عن أنّ مبدأ الشراكة مع الحزب باتَ شبه مستحيل.

وتَتّجه قوى "14 آذار" لخَوض معركة في وجه السلاح أسمَتها المقاومة المدنية. هذه المعركة لا تأخذ في الحسبان لا تأليف الحكومة ولا حتى الاستحقاق الرئاسي. وفي الطريق الى هذه المعركة، تحضيرات لتحريك الكتلة النيابية لـ"14 آذار"، ولتحريك الانتشار اللبناني، وهناك تحضيرات لتحرّكات شعبية ومدنية. وهذا يعني أنَّ خيط التواصل الرفيع، الذي كان لا يزال قائماً قبل اغتيال شطح، لم يعد موجوداً، ما يقود الى استبعاد استئناف التواصل مع الرئيس برّي من خلال قناة الرئيس فؤاد السنيورة، والى وَقف كلّ أشكال الإتصال الأخرى.

لا تقتصِر العقبات أمام صيغة "8+8+8" المعدّلة على فريق "14 آذار". فرئيس الجمهورية، الذي اكتوى بنار الوزير الملك، لا يُحبِّذ أن يحتضن ودائع وزارية ليست في حسابه، كما أنّ الرئيس المكلّف يقترب من الرئيس سليمان برَفضه الوزير الوديعة، الذي هو الوجه الآخر للثلث المعطّل.

بعد زيارة الرئيس برّي إيران وعودته مُبشِّراً بقُرب فتح قناة اتصال سعودية - إيرانية، وما تَبعَ ذلك من اتهام الأمين العام لـ""حزب الله" السيّد حسن نصرالله السعودية بالهجوم على السفارة الايرانية، بَدا واضحاً أنّ التعويل على خَلق معادلة "أ. س"، أصبح بعيداً عن التداول. ربما يأمل برّي وجنبلاط بعض الحَلحلة من زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبنان، لكنّ هذا الاحتمال ضعيف جداً، فإيران دعمت "حزب الله" منذ البداية في تمسّكه بالثلث المعطل، ولن تتراجع عن هذا الموقف بعد ثمانية أشهر من التعطيل، حتى ولَو اضطرَّ "الحزب" للنزول الى الشارع.

في ظلّ هذا التعثّر المستمر، يبقى السؤال عن الخيارات المتبقية للرئيسين سليمان وسلام، هما اللذان كادا أن يتّخذا القرار بتأليف حكومة حيادية. الخيار الاول هو استِنفاد البحث بحكومة "8+8+8"، وهو خيار سيؤدي الى الفشل. والثاني يكمن في المزيد من الانتظار، علماً أنّ الوقت بدأ بالنفاد، فماذا لو انتهت ولاية سليمان من دون تأليف الحكومة؟ فهل سيبقى سلام رئيساً مكلّفاً أم أنه سيعتذر قبل نهاية الولاية؟

بعض المراقبين لا يستبعد اللجوء الى خيارات أخرى، كحكومة أقطاب. والبعض لا يُسقط احتمال أن يؤلِّف رئيس الجمهورية، اذا ما تمّ تعطيل تأليف الحكومة، حكومة عسكرية في اللحظات الأخيرة قبل نهاية ولايته، أسوَة بما فعلَ الرئيس أمين الجميّل.