قالها رئيس تيار "المستقبل" ​سعد الحريري​: أنا لا أستطيع أن أشتغل دائما بقلبي، بل أريد أن أشتغل بعقلي.

هو صراعٌ إذًا بين "العقل" و"القلب" فرضته "الانتفاضة الجماهيرية" على رئيس الحكومة السابق، بعد إعلانه موافقته على الدخول في حكومة "شراكة" تجمعه مع "حزب الله"، ضاربًا بذلك معادلة عدم الجلوس على طاولة واحدة مع الحزب المنخرط في الحرب السورية، والمتّهم عددٌ من أفراده بقتل والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.

الحريري سعى لـ"تبرير" موقفه هذا، موقفٌ نال تصفيقًا حارًا اعتبر البعض أنّه زاد عن حدّه في صفوف "خصومه" في مقابل "تحفّظ" لدى الحلفاء، وفي مقدّمتهم رئيس حزب "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، وسط ما سُمّي بـ"الامتعاض" لدى جماهير "المستقبل" نفسه.

النقاش على أشدّه إذًا داخل قوى الرابع عشر من آذار حول الحكومة المرتقبة، وهو لا يزال محور "أخذٍ وردّ"، في وقتٍ تتواصل فيه الاتصالات لحلحلة ما تبقّى من "مطبّات" في وجه الحكومة، التي حُدّد موعدٌ جديدٌ لولادتها، هو نهاية الأسبوع الحالي على أبعد تقدير!

لن أغطي أحدًا.. ولكن!

لم تكن مهمّة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في حديثه إلى تلفزيون "المستقبل" بالأمس سهلة. كان عليه أن يُقنِع جماهيره بصوابية قبوله المشاركة في حكومةٍ جامعةٍ لطالما كان أول من عارضها انطلاقًا من المعادلة الشهيرة التي أرساها باستحالة الجلوس مع "حزب الله" على طاولةٍ واحدة.

قال الحريري أنّه يتفهّم "حماسة" المعترضين، ولكن عليه أن يفكّر بعقله لا بقلبه فقط، باعتبار أنّ لبنان وبقاء لبنان هو الأهمّ بالنسبة له. أوضح أنه لن يتنازل عن مبادئه وثوابته، وأنّ دخوله في "شراكة" لا يعني أنه لن يغطي أحدًا بأيّ شكلٍ من الأشكال. كرّر دعوته لـ"حزب الله" للانسحاب الفوري من الحرب السورية، ولتسليم المتهمين باغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. قال أنّ معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" مرفوضة بالنسبة له، وهذا أمرٌ مفروغٌ منه، بل إنّه يرفض حتى "تدوير الزوايا" في هذه القضية، في ردّ مباشر على الكلام القائل بأنّ "اللغة العربية الإنشائية" كفيلة بحلّ هذه "الإشكالية".

لم يكن الحريري يحاول أن "يبرّر" موقفه فقط بالنسبة لجمهوره، ولكن أيضًا لحلفائه، وفي مقدّمة هؤلاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي لم يتردّد في القول أنّه لا يوافق الحريري في موقفه الأخير، الذي حصد "مديح" قوى الثامن من آذار، مشيرًا إلى أنّ موضوع تشكيل الحكومة لا يزال محط أخذ ورد داخل قوى 14 آذار، آملاً أن يتجاوب الفريق الآخر مع إيجابية الحريري "ولو بنصف إيجابية من جهته". لكنّ رئيس تيار "المستقبل" حاول توجيه رسائل "إيجابية" إلى "الحكيم"، فأكّد أنه مع جعجع ولن يتركه، متمنيًا عليه أن يدخل إلى الحكومة.

المطبّ الأخير؟

وسط ذلك، استمرّت الاتصالات على أرفع المستويات خلال الساعات الماضية للوصول إلى "الخواتيم السعيدة" المرجوّة في ملف الحكومة العتيدة، وقد رُصِدت في هذا اللقاء سلسلة لقاءاتٍ وُصفت بالجوهرية، وبينها الزيارتان المتتاليتان اللتان قام بهما وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل إلى رئيس الجمهورية ​ميشال سليمان​ ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام، وكذلك زيارة "الخليلين"، أي المعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب الوزير علي حسن خليل، لرئيس الحكومة المكلف في دارته.

وفي وقتٍ لفت إعلان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أنّ الحكومة ستبصر النور هذا الأسبوع، ووصفها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بأنّها "ربط نزاع"، برزت سلسلة "المدائح" التي وجّهها بعض أركان قوى الثامن من آذار للحريري على خلفية موقف الحريري الأخير، وفي مقدّمة هؤلاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي اعتبره موقفًا يستحقّ التقدير، وكذلك رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الذي رأى أنّ الحريري سهّل بهذا الموقف عملية التأليف، مشيرًا إلى أنّ العراقيل أزيلت، إضافة إلى رئيس جبهة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط الذي أشاد بالموقف "المسؤول" الذي يرتقي لمصاف "رجل الدولة".

وفي وقتٍ تستمرّ "التسريبات" الآتية من هنا أو هناك حول "المطبّ الأخير" الذي يعترض الولادة الحكومية الميمونة، أشارت بعض المعلومات إلى أنّ مبدأ "المداورة" لا يزال محور أخذٍ وردّ، على الرغم من تأكيد المعنيين موافقة تكتل "التغيير والإصلاح" على التخلي عن وزارة الطاقة واستبدالها بوزارة الأشغال كما يقول البعض، في مقابل ارتفاع أصوات تتساءل عن جدوى تطبيق المداورة الآن في ظلّ حكومة لا يُفترض أن تعمّر لأكثر من أربعة أشهر، نظرًا لارتباطها باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي تُعتبَر الحكومة بعدها مستقيلة.

كلمة أخيرة..

وسط المستجدّات السياسية التي تسارعت في الساعات الأخيرة، بقيت طرابلس عالقة في بحر دمائها النازف بفعل اشتباكاتٍ تنفجر وتخمد دون أن يفهم أحدٌ ظروفها وحيثياتها..

بالأمس، سقط ستة قتلى وأكثر من خمسين جريحا في اشتباكاتٍ كانت تعنف حينا وتتراجع أحيانا. ولكنّ المفارقة أنّ أحدًا، باستثناء الجيش اللبناني، لم يلتفت إلى المدينة التي تخلى عنها الجميع، وكأنها غير موجودة، أو كأنّ ما يحصل عليها لا يعني السياسيين بأيّ شكلٍ.

جرح طرابلس النازف لا يمكن أن يتحوّل إلى خبرٍ هامشي لا يحتلّ أيّ حيّزٍ من الاهتمام، بل هو يجب أن يكون حافزًا لكلّ من يعتلون السلطة ليتحرّكوا قبل فوات الأوان!