عائلاتٌ من الدلافين تنتشر على بُعد أمتار قليلة من شواطئ لبنان. هذه الحقيقة التي لا تبدو جديدة بالنسبة لرواد القوارب البحرية وللمتخصصين بالنظام الإيكولوجي للحوض الشرقي للبحر المتوسط، هي كذلك لكثير من اللبنانيين، الأمر الذي يعرّض هذا الحيوان اللطيف والجميل إلى الخطر كونه متروك دون أي حماية.

"النشرة" توجهت إلى عمق البحر في منطقة الزوق بحثاً عن تلك العائلات، على متن قارب يعود لفريق "ليكويد" الذي يعنى بنشر صيد السمك المسؤول وحماية البيئة البحرية من الصيد العشوائي دون أي ضمير، إلا أن الطقس البارد والهواء لم يكونا من العوامل التي تساعد على اقترابهما من الشاطئ. وفي هذا الإطار، يشرح المسؤول عن الفريق، عالم البحار ماركوس هادو، ان الدلافين تقترب أكثر في فترة الربيع، مشيراً إلى أن لدينا في لبنان حوالي الـ6 أنواع، اثنين منهما هما أكثر انتشاراً.

هادو، الذي يدرّب حوالي الـ400 شخص في لبنان على الصيد المسؤول، يوضح أنه رأى الدلافين للمرة الأولى منذ بداية عمله، أي منذ حوالي العشرة أعوام، لافتاً إلى أن كميتهم اليوم باتت أقل بنسبة 50 إلى 60% لأن البحر لم يعد قادرا على حمايتهم بسبب التلوث، والبيئة لم تعد حاضنة لهم بما فيه الكفاية. ويشير إلى ان "الناس في لبنان ليس لديها معرفة كبيرة ببيئة بلدها ولا بالدلافين، خصوصاً وأن من الصعب رؤيتها على الخط البحري المستقيم، بل يجب الدخول إلى عمق البحر".

يعبّر هادو عن أسفه لعدم قيام أي جهة بحماية الدلافين في لبنان، معتبراً أن هذا الحيوان مُهمَل كما هي الحال بالنسبة للبيئة بشكل عام في وطننا، ولا أحد يعرف بوجوده أساساً، لذلك لا أحد يهتم بحمايته أو بعدم حمايته. ويدعو إلى القيام بخطوة كبيرة باتجاه المحافظة عليه، خصوصاً بعد تعرض هذا الحيوان إلى حوادث كثيرة، فبعض أصحاب المراكب البحرية، وعن غير قصد، يضربونه بقاربهم ويعرّضونه إلى جروح بالغة أو حتى إلى القتل، وكذلك بعض الصيادين الذين يطلقون النار عليه بالبندقية عندما يرونه يلتهم السمك من شباكهم. ويصف قتل الدلفين بإطلاق النار عليه بأنه "أبشع منظر يمكن أن يتخيله إنسان، لأن هذا الحيوان متطور جداً، لا بل هو أكثر تطوراً من الإنسان في بعض النواحي".

ويلعب الدلفين دوراً مهماً على صعيد التنوع البيولوجي البحري في لبنان. فلكلّ كائنٍ حي دورٌ يلعبه في النظام الإيكولوجي، والدلفين، من خلال قيامه بتقريب بعض الأسماك من الشاطئ، يؤمن الطعام لعدد آخر من الأسماك ومن العصافير، فإذا لم يعد موجوداً في بحرنا، سيكون هناك مشكلة أمام عدد من الكائنات الحية البحرية والجوية، إذ لا يمكن الحديث عن تنوع بيولوجي إذا تم محو نوع من الأنواع. لذلك، فإن معرفة الناس بوجودهم قد يسهم بتأمين حماية بشكل أفضل لهم. ورغم أنه لا يمكن تقدير أعدادهم بحسب هادو لأن ذلك يحتاج إلى تكريس وقت كبير وإلى دراسة حثيثية، وبالتالي، لا يمكن ان ينتج عن مبادرة شخصية، ورغم غياب الدراسات في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، على عكس سائر أصقاع هذا البحر لأن كلفة الدراسات تكون مرتفعة نسبياً، فإن حمايتهم واجب على الجميع، ولا سيما على المسؤولين عن البيئة في لبنان.

ويؤكد هادو أن أجمل منظر هو رؤية هذه الحيوانات وهي تسبح أمام القارب، لأنها تتسلى وتلعب مع الطاقة والأمواج التي تنتج عن محركه، فتستخدمها لكي تسبح بشكل أسرع، وهي بين الحين والآخر، تدير وجهها وتنظر إليك، فيلتقي نظرك بنظرها. لكنه يحذّر من أنه ليس بحيوان أليف، أي من الأفضل ألا ينزل الناس ويسبحوا معه كما يجري في بعض الأحواض المتخصصة بعد تدجينه، موضحاً أنه قد يهجم على الناس إذا شعر بخطر ما أو إذا كان يريد حماية أطفاله، وبالتالي، يجب الإنتظار حتى يقترب هو من القارب بداية، وعليه أن يكون هو صاحب المبادرة.

وعلى الرغم من ارتفاع نسبة التلوث في البحر ومن عشوائية صيد الأسماك فيه، تبقى بعض الكائنات الحية تصارع على كامل جغرافيا الوطن البرية والبحرية، إلى جانب المواطن اللبناني، من أجل الحياة، ولم تأخذ بعد قرارها بالرحيل. فعلّ هذا الدلفين، الموجود على وجه الكرة الأرضية منذ مئة مليون سنة، ألا يختفي من بحر لبنان، بل أن تتم حمايته كما يجب.