قالها رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون بحسب ما نقله عنه زواره: "قضية المداورة ملغومة ولا يمكن ان أتفهّمها أيّاً كانت النتائج المترتّبة على رفضي، فالمداورة مرفوضة في شكلها ومضمونها وتوقيتها على حدّ سواء"..

وفي المقابل، كانت "معادلة" جديدة لرئيس الحكومة المكلّف ​تمام سلام​ قوامها: "لا مساومة على المداورة"..

هكذا، تحوّلت "المداورة" بين ليلةٍ وضُحاها إلى "لغمٍ" تقف الحكومة "الجامعة" على أعتابه، وعليه يتحدّد مصيرها، فإمّا توضَع "استثناءات" وإما تصبح فكرة الحكومة بحدّ ذاتها غير قابلة للحياة، وتعود كلّ الأمور إلى المربع الأول، وهي عادت إليه أصلاً..

فهل من "مَخرَجٍ" لهذه الأزمة؟ وهل "المداورة" فعلاً هي من تعطّل الحكومة؟ ولماذا لا يكون "الضوء الأخضر" لم يأتِ عمليًا بعد لتأليف الحكومة، وعندما يأتي، تعود كلّ هذه الإشكاليات لتصبح "تفاصيل" لا تستحقّ "تعطيل" البلد؟ وهل لا تزال فكرة "الأمر الواقع" قابلة للبحث أصلاً في ظلّ رفضها من قبل المرجعيات الروحية والدينية الكبرى؟

المداورة بين الطوائف أولاً...

لم تحمل الساعات الماضية تطورات نوعية على صعيد تأليف الحكومة إذًا، بل إنّ الأمور كلّها راوحت مكانها. "العقدة" الوحيدة، أقله ظاهريًا، تمحورت حول رفض "التيار الوطني الحر" أن تشمل المداورة حقيبة الطاقة، واعتباره أنّها "استهدافٌ سياسيٌ" له بشكلٍ فاضح لا يحتمل اللبس، في مقابل إصرار "خصوم" التيار على تطبيق هذه "المداورة" مهما كان الثمن، و"عجز" الحلفاء عن التوصّل إلى "حل" ينقذ ماء الوجه.

وفيما استمرّت الاتصالات على غير صعيد، لم يعتصم أحدٌ بالصمت، بل عمد معظم الأفرقاء إلى رفع السقف عبر الإعلام. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "الجمهورية" عن رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون قوله أنه لم يفهم بعد ماهيّة المداورة وأهميتها في حكومة لن تعمّر اكثر من نهاية العهد، ما يعني انّها حكومة لمدّة ثلاثة او اربعة اشهر، مشدّدًا على أنّه لا يفهم معنى المداورة سواءٌ طُرحت من الحلفاء او حلفاء الحلفاء ام من الخصوم، "فهذه القضية ملغومة ولا يمكن ان اتفهّمها أيّاً كانت النتائج المترتّبة على رفضي، فالمداورة مرفوضة في شكلها ومضمونها وتوقيتها على حدّ سواء".

وفي حين أكد عون امام زوّاره انه "ما يزال ينتظر موقف سلام"، أصدر الأخير موقفه عبر الإعلام أيضًا، وتحديدًا عبر صحيفة "الأخبار"، حيث أعلن أن أن "لا مساومة على المداورة"، وأشار إلى أنّ تأليف الحكومة "ليس نزوة ولا هوى، بل عمل جدي لإيجاد سلطة إجرائية تقوم بدورها وتمارس صلاحياتها"، وأكّد أنّ المداورة هي بين الطوائف أولاً وأخيرًا، واصفًا إياها بأنّها أصبحت عنده أمرًا ضروريًا وملحًا.

ملف الأطرش بين التسريبات والتكهّنات؟

والملف الحكومي الذي يراوح مكانه لحدّ الملل هذه الأيام إلى الملف الأمني الذي عاد إلى الواجهة في ضوء ملابسات توقيف الشيخ ​عمر الأطرش​ وما أثاره هذا التوقيف من تحرّكاتٍ مناهضة لم توفّر الجيش من اتهاماتها العشوائية، على الرغم من كلّ الاعترافات المسرّبة والمنسوبة للأطرش من أدوارٍ خطيرة يُقال أنّه قام بها.

وفي جديد هذه الاعترافات ما ذكرته صحيفة "الأخبار" عن أنّ الأطرش أقر بعلمه بمخطّط لمجموعة من الجهاديين، من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، كان يركز على سبل توسيع رقعة التفجيرات في الضاحية الجنوبية وفي مناطق أخرى، كما أنّه اعترف بأنه نقل سيارتي دفع رباعي، من نوع "غراند شيروكي" و"ب.ام.اف. ــ x5" الى بيروت، وُضعتا في مستودع يجهل مكانه على أطراف الضاحية يملكه شخص يدعى أبو سليمان، وأشارت المصادر إلى أنّ الأطرش قدّم معلومات مهمة حول شبكة نقل السيارات المفخخة من الأراضي السورية الى لبنان عبر عرسال، وأنه تم استخدام أحد المخيمات الفلسطينية في بيروت، مرات عدة، كمحطة للانتحاريين أو للسيارات المفخخة.

وعلى خط هذا الملف، لفت اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي، حيث تم التأكيد "ان الجيش يتصرف وفقاً للقوانين المرعية والمصلحة الوطنية والحفاظ على السلم الاهلي وامن المواطنين، وخصوصاً أن التحقيقات تتم في إشراف القضاء المختص وعلى درجة عالية من الدقة والشفافية، وتالياً لا يجوز اذا كانت هناك مخالفات او ارتكابات من افراد او جماعات، ان تتم حماية مرتكبيها او تغطية اعمالهم من طريق كيل الاتهامات للمؤسسة الوطنية الأم التي تشكل العمود الفقري للسلم والاستقرار في البلد وضمان حقوق الجميع".

وفي السياق عينه، لفت كلامٌ لوزير العدل شكيب قرطباوي أكد فيه أن "الضغوط لا يمكن ان تفضي الى اطلاق الشيخ عمر الاطرش"، مشيراً إلى أنّ "التحقيق سري ويبقى سريا حتى صدور القرار الظني او اطلاق عمر الاطرش من قبل القاضي"، مشدّدًا على أنّ "لا احد تماما يعرف ما يجري سوى المحقق والقاضي المشرف على التحقيق"، معتبرًا أنّ كلّ ما يقال هو تكهّنات "وعلينا انتظار الوقائع التي يشرف عليها القضاء وعلينا ان لا نبني اي شيء على تكهنات وتسريبات".

كلمة أخيرة..

ظاهرة الاعتراض عبر الشارع على كلّ توقيفٍ يحصل باتت بحاجة لمن يضع لها حدًّا..

وإذا كانت الدولة تتحمّل مسؤولية تفاهم هذه الظاهرة الخطيرة، وهي التي خضعت لها مرارًا وتكرارًا وأطلقت موقوفين باتوا اليوم يسرحون ويمرحون على هواهم فقط لأنّ الشارع انتفض ضدّ توقيفهم، فإنّ المطلوب من كلّ القوى السياسية والروحية والدينية أن تساهم في تغيير هذه الصورة النمطية، خصوصًا أنّ العمامة لا يمكن أن تكون "حصانة" لأيّ شخص، أيًا كانت الظروف والدوافع..