أيُّ طاقة هي، هذه التي أسمها حقيبة الطاقة الوزارية؟وأيُّ طاقة فيها وبها ولها، حتى يصبح التنازل عنها مستحيلاً ولو قايضوها بسائر الحقائب الأخرى، كأن قيمتها الروحية لا تتعلّق بما هو لقيصر بل بما هو للّه.

إنها حقيبة روحية استراتيجية ترتبط بالميرون المسيحي، وإنّ بينها وبين المتيَّم بها زواجاً مارونياً لا يفرّق بينهما إلاّ الموت، مثلما هناك استراتيجية دينية أخرى تحتّم عدم المشاركة في الحكومة حرصاً على مصلحة المسيحيين.

البلاد تسير على بركات الله موشَّحة بالسواد، ومصلحة المسيحيين لا تزال معلّقة بالأفكار السود وبالذهب الأسود في البحر... في البحر نِفْطٌ وإنما في البرّ دم، والنفط مادة للحريق، والدم مادةٌ للحياة.

حكومة وطاقة ونفْط وقيصر وقرار، أمورٌ لا طاقةَ لنا بها ولا قرار، القرار من شأن الكبار، فتهيّبوا وتأدَّبوا.

الكبار يتقاسمون قالب الحلوى، والصغار يتقاتلون على فُتات الموائد.

الكبار يقترعون على أثواب الصغار، والصغار يتناتشون بقايا أثوابهم الممزقة.

ما دمنا صغاراً ولا نكبر، فأيُّ فارق هو بين الدولة واللاّدولة، وأيُّ فارق يكون بين أن تكون حكومة أو لا تكون، فيما نحن ننصِّب أنفسنا حجّاباً في حكومات الآخرين.

على مدى العقود الماضية لم تُنْجِب لنا بطون الأيام رجالاً تاريخيين، حتى إنَّ بعض الكبار سقطوا في لعبة الصغار، وسقطت معهم معالم الدولة بمفهومها الدستوري والقانوني والوضعي، وتبعثرت مؤسساتها شظايا بين بضعة من المتزعمين إقتنصوا السلطة بنزعة إقطاعية - ميليشياوية مركبّة، ولم يبق أمام كل منهم للحفاظ على وجوده المضخّم إلا غريزة البقاء وغريزة السيطرة، والإرتماء في خُضَمَّ الأحداث الخارجية المتلاطمة.

المادة الكاشفة لهذا المزيج بين مصلحة الداخل ومصلحة الخارج هي التي استخدمها نابوليون بونابرت مراهناً على الوطنية الفرنسية العريقة، فهو كلّما أراد توحيد الشعب حول الدولة وحول الحكم في فرنسا كان يعلن الحرب على إنكلترا، فينتفض الشعور الوطني موحَّداً للحفاظ على كيانية الدولة والإلتفاف حول الأمبراطور.

إنها المعادلة المطروحة عندنا في انكشاف الولاء الوطني، فإن نحن أعلنَّا الحرب على الآخر الخارجي إنقسمنا باسمه، وإنْ أعلن هو الحرب علينا تقاتلنا نحن باسمه، حتى وإن خضنا حرباً في بلاد الآخر الخارجي تقاتلنا باسمه عنده وانقسمنا باسمه عندنا.

نحن منذ عقود نعيش دوامة قاتلة، وحالة فراغ وطني وفراغ دستوري، نؤلّف حكومات جامعة فتنقسم على نفسها وتقسمنا على أنفسنا، وننتخب مجالس نيابية ثم تنتخب هي نفسها بالتمديد لنفسها، وهكذا نظل نعبِّيء الفراغات بسلطة وهمية، ولا خلاص إلا بتغيير هذه الطبقة السياسية المحنّطة، عبر قانون إنتخابي عادل يجسد حقاً إرادة شعب مكبوت يتوق الى رجال أحرار لا يركعون أمام الكبار.

قال المحامي الفرنسي لوستالو Laustalo أبّان الثورة الفرنسية، "لا يبدو لنا الكبار كباراً إلاّ لأننا راكعون أمامهم على رُكَبِـنا... فَلْنَنْهض".