يشكل موضوع الحرية في حياة الإنسان محور اهتماماته الوجودية ومنطلق بحثه الدائم عن كيفية بناء شخصيته والسعي للحفاظ على استقلاليته المطلقة داخل مجتمعه المغلق أولاً ثمّ بين المجتمعات الكبرى التي تتداخل فيها القوى لفرض هيمنتها على الأضعف من الناس. وينتج هذا الخلل في ميزان القوى، خللٌ واضح في سلّم القيم، غالبًا ما ينعكس على العلاقات الاجتماعية وطبيعتها، إن على مستوى الأفراد، وإن على مستوى التكتلات المجتمعية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما يطرح قضية (كرامة الحرية) في حياة الانسان بالمطلق، في هذا الزمن الذي تسيطر عليه المادية المطلقة والأحادية العالمية القابضة على مفاصل الحياة في العالم.
إن ارتباط كرامة الشخص بكرامة الحرية هو في أساس الحياة ذات السلوكيات الإيمانية والتراثات الحضارية لأنّ كرامة الحرية هي جوهر التعاليم الروحية التي تركز على قيمة الفرد ودوره الاجتماعي وحقه في الحياة، فالحق بالكرامة يرتبط ارتباطًا عضويًا بمعنى الحرية بالمطلق، وبالتالي يصعب الفصل بين كرامة الإنسان وحريته، لأنّهما العنصران الأقوى في التكوين الخلقي لطبائع الشخص وتصرّفاته.
فالكرامة الشخصية عند الفرد لها علاقة مباشرة بالقيم السائدة في مجتمعه وببيئته القومية والدينية والسياسية، وهي بالتالي نقطة الدائرة في مختلف تصرفاته وتعامله مع الآخرين، إن على مستوى العلاقة الفردية، وإن على مستوى العلاقة المجتمعية مع الدولة ككيان سياسي، وإن على مستوى البيئة الحاضنة وقدرتها على اعتبار كرامة الشخص من كرامة المجتمع بشكل عام.
ولأنّ الارتباط بين الكرامة والحرية في الحياة هو ارتباط عضوي متماسك، فإنّ مفهوم الحرية بدلالاته وعناصره ومظاهره يكون المدخل الرئيسي لفهم موازين الأخلاق في المجتمع، وبالتالي فإنّ حرية الشخص هي من حرية الجماعة، والاثنان هما أيضًا من عناوين حرية الأوطان وعلامات الكرامة فيها.
إنّ المجتمعات التي لا تقيم وزنًا للحرية بكلّ مظاهرها هي بالفعل مجتمعات مهدّدة بالتفسخ والسقوط الحتمي، لأنّ للحرية آفاقًا تساعد على النهوض بالمجتمعات وتطويرها الدائم، خصوصًا في البيئات المجتمعية النامية، حيث الرهان يكون على مستوى قدرة الفرد على التعاطي بالأمور بشفافية مطلقة، والتلازم بين الحرية والشفافية هو من الأمور الواجب توفّرها لبناء مجتمعات أكثر صلابة وأكثر تحصّنًا ضدّ التحديات التي تعترض مسيرة الإنماء والازدهار.
وليس غريبًا القول إنّ المجتمعات التي لا حريات فيها هي مجتمعات مغلقة وأحادية التفكير. فالتفكير الواحد من شأنه أن يُكثر من الضغوط على الحياة الفردية والعامة، وهذا ما يجعل السلطة مقيّدة إلى حدّ بعيد بمفاهيمها الآسرة والقاتلة.
ولأنّ كرامة الحرية هي من كرامة الوطن، فإنّ المطلوب من الشباب، الذين هم مستقبل الأوطان وأركانها، أن يعملوا بجدّ وثبات لبناء فكرهم الحرّ وإرساء قواعد راسخة للجهر بأفكارهم بحرية مسؤولة.
ولا يمكن فهم حرية التفكير عند الشباب إلا متى تواصلت مع المبادرة الفردية للعمل من أجل الحرية والدفاع عنها. فالحرية هي مشروع فردي وجماعي دائم، وهي عنوان كلّ حراك شبابي هادف إلى رسم قواعد عيش جديدة للأجيال المستقبلية، أساسها كرامة الأوطان، وكرامة الشباب وكرامة الحرية.