تزايدت في الآونة الأخيرة التفجيرات الإرهابية في لبنان، فبعد أن كانت المسافة الزمنية بين تفجير وآخر تتجاوز الشهر أصبحنا أمام مشهد تفجيران في غضون أسبوعين (حارة حريك) وثم خلال أسبوع واحد تفجير في مدينة الهرمل أعقبه بعد يومين تفجير آخر في مدينة الشويفات المحاذية للضاحية الجنوبية من بيروت.

وقد أثار تزايد التفجيرات، وارتفاع منسوب تواترها، القلق والهلع في وسط المواطنين المدنيين، لا سيما وأنها تستهدفهم بشكل أعمى، حتى بات المواطن العادي الذاهب إلى عمله، أو مدرسته لا يعرف ما إذا كان سيعود سالماً وينجو من انفجار وقع، أو قد يقع في أية لحظة، خاصة أن الجماعات الإرهابية هددت مؤخراً بتوسيع استهدافاتها لتشمل المدارس والحواجز العسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية، والتي عادة ما تكون مزدحمة بالسيارات بسبب التدقيق الأمني فيها.

ويتزامن هذا التصعيد الإرهابي، والمصحوب بارتفاع منسوب القلق لدى اللبنانيين، مع استمرار حالة الشلل في مؤسسات الدولة في ظل غياب حكومة تصريف الاعمال عن ممارسة مهامها، واستمرار أزمة تشكيل حكومة جديدة قادرة على تولي المسؤولية التنفيذية بدلاً من الحكومة المستقيلة منذ عشرة أشهر تقريباً .

وقد طرح هذا الواقع العديد من الأسئلة أبرزها :

لماذا ارتفعت وتيرة التفجيرات الإرهابية؟

وما هي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الجماعات الإرهابية التي تنفذ هذه الجرائم ؟

واستطراداً ما هي سبل مواجهة قوى الإرهاب وإحباط مخططها؟.

أولاً: في توقيت زيادة وتيرة العلميات الإرهابية:

يبدو من الواضح أن ارتفاع وتيرة التفجيرات الإرهابية يأتي متزامنا مع تطورين:

الأول: اعلان دولي وإقليمي عن البدء بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما تمثل في الموقف الأميركي في تغطية الحكومة العراقية في شن الحرب ضد داعش في الانبار، والاتفاق التركي الإيراني، وقيام طائرات تركية بقصف قافلة لمسلحي داعش في الشمال السوري.

الثاني: اتجاه التطورات السياسية في لبنان نحو تشكيل حكومة وفاقية تضع حداً لأجواء الانقسام وغياب الدولة.

ثانياً: أهــداف الجماعات الإرهابية من التصعيد:

بالنظر إلى التطورات المذكورة أعلاه فان الجماعات الإرهابية، وبالاخص داعش والنصرة، تسعى إلى تحقيق جملة أهداف، أهمها:

1 ـ العمل على إلى إثارة الفتنة في لبنان، باعتبارها هي السبيل الذي يوفر لها المناخ المواتي لنموها وإيجاد بيئة حاضنة لها.

2 ـ ضرب الاستقرار الداخلي، وتعميم حالة الفوضى والاضطراب على غرار ما يحصل في العراق، أي محاولة عرقنة لبنان.

3 ـ العمل على منع التوافق بين اللبنانيين وزيادة حدة الاستقطاب الطائفي والمذهبي، لان أي اتفاق يضع حداً للانقسام والتحريض والشحن الطائفيين يؤدي إلى تضيق الخناق على الجماعات الإرهابية ويحول دون بقاء لبنان ساحة غير مستقرة تتيح حرية العمل والتنقل لها، خاصة وأن ما يقلق هذه الجماعات هو أن يؤدي تشكيل الحكومة الجامعة إلى توفير الغطاء القوى للجيش اللبناني لسد كل الثغرات والمنافذ التي يتسلل منها إرهابيو القاعدة إلى الداخل اللبناني.

ثالثاً: في كيفية مواجهة الإرهاب:

من دون شك أن القوى الإرهابية تمكنت من التغلغل إلى الداخل اللبناني وبناء خلايا لها مستفيدة من انكشاف الساحة اللبنانية سياسياً وأمنياً نتيجة الانقسام والصراعات السياسية المستمرة في البلاد منذ عام 2005، يساعدها كذلك واقع الفقر والحرمان والبؤس السائد في بعض المناطق النائية.

وإذا كان التصدي لهذه القوى يستدعي خطة متكاملة لحل أزمات الناس في هذه المناطق وتحسين شروط حياتها، فان الحاجة الملحة الآن تفرض اتخاذ خطوات سياسية وأمنية لسد الثغرات ووضع حد للاختراقات التي تتسلل منها الجماعات الإرهابية وتمكنها من إعداد السيارات المفخخة وإرسالها بواسطة انتحاريين جرى تعبئتهم وغسل دماغهم على نحو أصبحوا فيه مستعدين لارتكاب هذه الجرائم.

وأولى هذه الخطوات المطلوبة:

1 ـ العمل جديا من قبل المسؤولين على تذليل العقبات التي تعترض تشكيل حكومة لبنانية وفاقية ـ جامعة، لان مشاركة جميع القوى الفاعلة فيها وعلى نحو فاعل يوفر الأساس الذي يجعلها قادرة على اتخاذ القرارات السياسية والأمنية الحازمة على الأرض من ناحية، ويضع حداً للانقسام السياسي، ويوحد جهود الجميع لحماية الأمن ولاستقرار والتصدي لقوى الإرهاب لإحباط مخططاتها التي تصب في خدمة العدو الصهيوني الذي يشعر بالسعادة والارتياح لان هناك من يقوم بالنيابة عنه في بث الفتن والصراعات وإشغال اللبنانيين بعيداً عن مواجهة تهديداته وأطماعه في ثروات لبنان النفطية والمائية من ناحية ثانية.

2 ـ عدم السماح بأي خطاب سياسي أو ديني يوجد الذرائع التي تبرر للإرهابيين تنفيذ جرائهم، واعتبار كل من يدافع عن أي إرهابي تعتقله القوى الأمنية والجيش إنما هو شريك في توفير الغطاء للجماعات الإرهابية ومساعدتها على مواصلة ارتكاب جرائمها يجب تويقفه ومحاسبته وفق القوانين المنصوص عليها.

3 ـ العمل على توفير كل الإمكانيات والقدرات والمعدات اللازمة للجيش والقوى الأمنية، كي تتمكن من محاصرة القوى الإرهابية ومنع التفجيرات قبل حصولها، واعتقال قياداتها وعناصرها.

4 ـ وضع خطة إعلامية شاملة تستهدف محاربة الأفكار المتطرفة والتكفيرية، وحظر أي برنامج أو خبر يصب في صالح التشجيع على هذه الأفكار أو يخدم الجماعات الإرهابية، وبالتالي عدم السماح بأي خطاب طائفي أو مذهبي تحت غطاء حرية الإعلام، لان الإعلام يجب أن يكون مسؤولاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وحمايته من الانزلاق إلى الفتنة والفوضى الهدامة التي تستهدف تمزيق وحدته وتقويض تماسكه وتدمير كل مقومات الحياة الاجتماعية الواحدة فيه.