لا تقتصر الآثار الدينية والتاريخية الموجودة في فلسطين، وخصوصاً في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، على المساجد والكنائس فحسب، بل تمتد إلى المغارات التي شهدت العديد من الأحداث على مر العصور والأزمان، كـ "مغارة الحليب" التي تُعَدّ من المواقع المسيحية المقدسة في بيت لحم، إذ حازت هذه المغارة على قدسيتها بعد أن قيل أن مريم العذراء لجأت إليها خلال هربها مع طفلها يسوع إلى مصر، خوفاً من قتله على يد جنود هيرودس آنذاك، وأثناء رضاعتها للمسيح، سقطت بضع قطرات من حليبها على أرض المغارة فابيضّت صخورها، وأصبحت شاهدة على شفاء العديد من الناس، بحسب البعض.
وتقع المغارة في الجنوب الشرقي لمدينة بيت لحم، بجانب كنيسة المهد، يشرف عليها الآن آباء فرنسيسكان، وتوجد في مدخلها لوحة كُتب عليها: "(بارك يا رب من تعبوا في بناء هذه الكنيسة واعط الراحة لهم" تاريخها منذ عام 1838 ميلادي، وبُني فوقها في عام 2006، كنيسة أصبح يزورها الآلاف من المسيحيين من داخل وخارج فلسطين.
الشفاء من الأمراض
"ترابها الجيري له القدرة على معالجة الكثير من الأمراض"، هذا ما يؤكد عليه أحد الكهنة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه نظراً للمضايقات التي يتعرّض لها رجال الدين من قبل السلطات الاسرائيلية، موضحًا أنّ "الكثير من المسلمات والمسيحيات يزرن هذه المغارة ويأخذن من ترابها ويقمن بإذابته في الماء الساخن وشربه، للشفاء من الأمراض".
ويضيف الكاهن، في حديث لـ"النشرة": "في هذا المكان حدثت الكثير من العجائب المتعلقة بالشفاء من الأمراض، والكثير من دول العالم يأتون إليها طلباً من العذراء المساعدة في الشفاء، ومن أهمها الشفاء من أمراض العقم، إذ سجلت قصصاً ورواياتٍ كثيرة في هذا المجال، وشهدت العديد من حالات الشفاء".
ويُعتقد بأن الجير المكون للمغارة، ليس بالجير المطلق، لكنه شبيه بالحليب الذي يؤخذ من سقفها، له القدرة على الشفاء من الكثير من الأمراض.
معلم أثري وتاريخي
من جهته، قال محمد غياظة، مدير دائرة الآثار والتراث الثقافي في مدينة بيت لحم، إنّ هذه المغارة تُعد معلماً أثرياً وتاريخياً، وهي من المواقع الدينية التاريخية في المدينة، سيما وأن فيها أرضعت العذراء مريم يسوع عليه السلام، خلال سفرها إلى مصر، بعد أن لجأت إلى هذه المغارة خوفاً من جنود هيرودس آنذاك، إذ كان هنالك اعتقاد بأن أي طفل يولد في تلك الفترة، يتم قتله واعدامه.
وفي حديث لـ"النشرة"، أوضح غياظة أن مريم العذراء لجأت إلى مغارة الحليب خوفاً من تعرض يسوع المسيح للقتل أو الإعدام، وفيها سقطت بعض من قطرات الحليب أثناء رضاعته، على الصخرة داخل المغارة، وتحول لونها إلى اللون الأبيض، ومنذ ذلك التاريخ أخذت قدسيتها من هذا الحدث الهام.
وأضاف غياظة: "في ذلك الحين، كان هناك اعتقاد بأن طفلاً مهمًا سيأتي إلى بيت لحم ينافس هيرودوس في الحكم في تلك الفترة، وجنوده كانوا يعدمون الأطفال، فالسيدة مريم لجأت إلى هذه المغارة كي ينجو الطفل يسوع من أيدي جنود هيرودوس".
وجودها جانب مشرق في التاريخ
وفي ذات السياق، أكد مدير دائرة الأثار والتراث الثقافي، أنّ وجود مغارة الحليب في مدينة بيت لحم التي شهدت ولاة يسوع المسيح قبل ألفي عام، يمثل حدث تاريخي وديني مهم، يجب الاهتمام به والمحافظة عليه.
وأكد غياظة أن وزارة السياحة والأثار، تولي اهتماماً كبيراً لكل الآثار الموجودة في الضفة الغربية المحتلة، خاصة الكنائس والأديرة وغيرها، ككنيسة المهد والقيامة، سيما وأنها من المواقع الدينية والتاريخية الهامة.
وأوضح غياظة أن مغارة الحليب تشهد إقبالاً يومياً منقطع النظير من قبل المسيحيين الذين يحجون إليها من مختلف دول العالم، لإقامة الصلوات الدينية، مضيفاً: "يؤمّها سنوياً ما يقارب 2 مليون زائر، إذ أنها مكان تاريخي مقدس".
واعتبر أن وجود الأثار كالمساجد التاريخية والكنائس ومثل هذه المغارات في بيت لحم، جانب مشرق في تاريخ الديانة المسيحية".
للاطلاع على الألبوم الكامل، اضغط هنا