تواصل القوات اللبنانية معركتها الحكومية، وتواصل الامانة العامة لقوى 14 آذار محاولتها رأب الصدع بين المختلفين وتقريب وجهات النظر بين حلفاء الصف الواحد. والطرفان يريدان إعلان بعبدا بنداً وحيداً في البيان الوزاري

هيام القصيفي

المشهد الذي جمع أمس وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا في بئر حسن، هو تماماً ما كانت تخشى منه أوساط قوى 14 آذار عشية تأليف الحكومة.

حاول الرئيس سعد الحريري إقناع من خالفه الرأي، في الانضمام الى الحكومة، بأن ثمة مكتسبات مرحلية ومستقبلية تتعلق بوقف الصراع السنّي ـــ الشيعي، لا سيما بعد تفاعل العمليات الانتحارية، ما يقتضي القبول بحكومة جامعة.

كان الرأي المخالف له أن وجود الوزراء بطرس حرب وأشرف ريفي ونهاد المشنوق في وزارات الاتصالات والداخلية والعدل سيكون بمثابة توريط لقوى 14 آذار لا إنقاذ البلد، إن لم يكونوا أصبحوا هم أنفسهم في ورطة، بحسب ما كان يردد رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. فالمشكلة لا تزال هي نفسها: دخول حزب الله الى سوريا وما يقابله من عمليات انتحارية لا يوقفه وجود هؤلاء، لا بل يمكن أن يمثّل وجودهم تغطية غير محسوبة النتائج. وها هي صورة وزير الداخلية المستقبلي ومسؤول حزب الله في بئر حسن أمس، بعد يوم واحد على اجتماع مجلس الوزراء، تأتي لتعبّر تماماً عن هذه المخاوف.

والطريق الوحيد الى تبديد هذه المخاوف ينحصر في البيان الوزاري، إذ تبلغت الاوساط المعترضة أن البيان سيسلك طريقه سريعاً، وأن لا اعتراضات جوهرية عليه، وأن ثمة تركيبات لغوية يُعمل عليها لسحب فتيل التفجير الحكومي المتعلق بعبارتي إعلان بعبدا و«ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة»، من أجل استكمال المنحى الإيجابي لعملية التأليف.

وهذه الاجواء كانت مدار بحث في اجتماع معراب الذي ضم جعجع الى وفد من قوى 14 آذار، على رأسه منسق الأمانة العامة الدكتور فارس سعيد، مع العلم بأن الأخير زار أمس الرئيس فؤاد السنيورة، في سعيه «الدائم» لتحسين أوضاع قوى 14 آذار، وخصوصاً بين المعترضين والموافقين على تأليف الحكومة، إضافة الى تفعيل العلاقة تحديداً بين المستقبل والقوات اللبنانية على خلفية الجفاء الذي طبعها، بعد اللقاءات التي عقدها الحريري مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون.

ما خلصت إليه اللقاءات المشتركة تأكيد ثلاث مسلّمات، بحسب ما يقول سعيد: أولاً ان قوى 14 آذار جسم واحد، ومن شارك في الحكومة من هذه القوى يمثل جميع مكونات 14 آذار، والبيان الوزاري المعبّر الاساسي لرؤية هذه القوى من أجل إنقاذ لبنان. وعليه، فإن إعلان بعبدا ضروري ويلزم جميع مكوّنات قوى 14 آذار، وإذا لم يتم تبنّيه فحينها لكل حادث حديث.

القوات اللبنانية التي تقف رأس حربة في الدفاع عن ضرورة تبنّي إعلان بعبدا ترفض أي بيان وزاري «لا طعم ولا لون ولا رائحة له». فإعلان بعبدا هو الفكرة الاساس لأي بيان، والقوات لن تقبل بأقل منه وبخروج حزب الله من سوريا، والبحث في الاستراتيجية الدفاعية بما يضمن أن لا سلاح في الداخل سوى سلاح الشرعية اللبنانية.

لا تساوم القوات على البيان الوزاري، وهو الموقف الذي يستكمل معركتها من عدم المشاركة في الحكومة، وهي بذلك تريد إلزام حلفائها قبل أخصامها بضرورة الالتزام بنص حاز إجماع مكوّنات قوى 14 آذار، وبضرورة الدفاع عنه. وهي ستخوض معركة في مجلس النواب وخارجه ضد أي بيان لا يعبّر عن هذه التطلعات.

في الشق الثاني المتعلق بترميم العلاقات الداخلية بين مكوّنات قوى 14 آذار، لا شك في أن المهمة ليست سهلة. فما كادت مفاعيل القانون الارثوذكسي تغيب حتى حضر ملف الحكومة ولقاء عون والحريري.

تحاول شخصيات 14 آذار الموزونة أن تقنع جميع القيادات بأن «الحرد» لا يفيد، وأن الزعل لا يبني مواجهة مع حزب الله، وأن هناك مرحلة خطرة واستحقاقات آتية لا تنفع معها القطيعة بين قيادات الصف الاول التي يعوّل عليها من أجل استكمال عملية المواجهة. يعترف الجميع بأن خط الدفاع هذا قد أصيب بصدمات كثيرة منذ أشهر، وأن خروقات سجلت في أكثر من مجال. إلا أن محاولات رأب الصدع مستمرة، لكن نتائجها لا تزال غير ناضجة تماماً.

فالقوات تضاعف تمسّكها بمواقفها، ومآخذها الشكلية على تأليف الحكومة كثيرة، ولا علاقة لها بالوزراء الذين يمثلون القوات من الوزراء الكتائبيين الى المسيحيين المستقلين ووزراء المستقبل وحتى وزراء رئيس الجمهورية.

وجوهر المشكلة لا يتعلق أيضاً بلقاء الحريري وعون الذي صيغت بموجبه حكومة نهاية العهد. فالقوات في هذا المجال لا تريد إقصاء أي طرف عن الحوار الداخلي المجدي. «النقزة القواتية» تكمن في الكتمان الذي أحيط به اللقاء والنفي المستمر لأي سؤال من القوات أو من قوى 14 آذار بشأن حصوله. أزمة الثقة بين الطرفين تفاقمت حين قال عون إنه أطلع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على لقائه الحريري، فيما لم يطلع الأخير أياً من حلفائه عليه. لا بل استمرت أوساطه الرفيعة بنفيه، رغم أن كل الصالونات السياسية تداولت به، ورغم الدور الذي لعبه كل من نادر الحريري والنائب السابق الدكتور غطاس خوري في ترتيب عقده في باريس وترتيب زيارة الوزير جبران باسيل للسعودية، مع العلم بأن معراب سبق أن استقبلت باسيل أيام الإعداد للقانون الارثوذكسي، وكان الحريري على اطلاع دوري على كل مراحل الحوار المشترك، وهذا كلام قاله جعجع أمام الوفد الذي زاره.

لا تريد القوات خرق الصمت الذي أراد به جعجع معالجة الامور بين التيارين الحليفين في الدوائر المغلقة، لا بل «خلف الابواب المغلقة فقط»، بحسب مصادر قواتية رفيعة.

وتفيد معلومات «الأخبار» بأن أحد أعضاء وفد قوى 14 آذار نقل الى جعجع رسالة من الحريري تحمل تحياته وكل الودّ والاحترام «وأن لا شيء يفرّق بين الحليفين إلا الموت».

فهل يكون الغداء مع عون أقوى من الموت؟