كانت لافتة الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للجرحى السوريين في مستشفى ميداني أقامه الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان على الحدود السورية، حيث أكد أمامهم أن "الذين قتلوا وجرحوا في سوريا هم نتيجة التمويل الإيراني لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأن إسرائيل رغم ذلك تقدم لهم المساعدات الإنسانية في مستشفياتها".

وخلال الزيارة نفسها، لفت حرص نتانياهو على إظهار الدور الإنساني المغلّف الذي تقدمه بلاده للجرحى السوريين في مستشفياتها، سيما وأنه يهدف إلى تحسين صورتها أمام العالم، لكنه في الأساس يسجل مكاسب سياسية تبدأ من خلال الحصول على معلومات كبيرة من هؤلاء الجرحى، تلعب دوراً في تحقيق أهدافها السياسية، بحسب البعض، رغم أن الصورة التي تبقى في الواجهة هي إنسانية.

وخضع ما يزيد عن 750 سورياً حتى الآن للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، كانوا قد وصلوا إلى الحدود الشمالية مع إسرائيل، منذ بدء الأزمة السورية، وقد تمت معالجة نحو 490 منهم، ولا يزال الباقون يتلقون العلاج في المراكز الطبية والمستشفيات المختلفة داخل الأراضي المحتلة، وغالباً تسمح هذه المستشفيات ببقاء فرد من أفراد العائلة إلى جانب الجريح، ومعظم الحالات يتم تسريحها عند الانتهاء من تقديم العلاج ومن ثم يعودون إلى سوريا.‎ ‎

إسرائيل إنسانية؟!

"ما تقوم به إسرائيل يهزّ صورة المعارضة السورية التي تقاتل ضد النظام السوري"، هذا ما يؤكده الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي أكرم عطالله، الذي يشير إلى أن القضية الأولى في الشرق الأوسط هي القضية الفلسطينية، وأن من يقترب من إسرائيل يحرق نفسه بسرعة.

وفي حديث لـ"النشرة"، يلفت عطالله إلى أنّ وجود علاقة بين إسرائيل والمعارضة السورية فيما يتعلق بعلاج عناصرها، يعتبر محرقة بالنسبة للمعارضة، وهو ما يصبّ في مصلحة النظام السوري.

ويوضح عطالله أنّ إسرائيل تريد أن تظهر من خلال ذلك، وكأنها دولة مختلفة عن واقع المنطقة كلها، سيما وأن الجرحى عرب ويتقاتلون على السلطة، وإسرائيل التي على حالة عداء مع كل العرب الذين يشتمونها، ويريدون تدميرها، تبدو الآن وكأنها تتعاطف معهم بإنسانية مفرطة بمعزل عن عدائهم معها، وتظهر كدولة حضارية في مقابل حالة التوحش العربية لها.

وأضاف عطالله: "إسرائيل تقدم نفسها أمام هؤلاء الجرحى باعتبارها وجها حضاريا إنسانيا، حتى لو لم تستطيع أن تشغل بعضهم مع مخابراتها، إلا أنها ستتمكن من تغيير صورتها أمامهم".

أهداف سياسية بأدوات إنسانية

في المقابل، يرى الكاتب والمختص في الشؤون العربية والدولية، وليد المدلل، إنّ "إسرائيل لها أهداف سياسية من خلال معالجة جرحى المعارضة السورية، حيث تستخدم ذلك بأدوات إنسانية، من أجل تحقيق جملة من أهدافها السياسية في سوريا".

ويؤكد المدلل، وفي حديث لـ"النشرة"، أن هذه المسألة أصبحت معروفة في السياسة الدولية، لتحسين صورة "إسرائيل" المشوهة في الخارج، بعد الانتقادات الكثيرة التي تعرّضت لها على ما اقترفته من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، إذ أنها وعلى وجه الخصوص تريد تحسين صورتها لدى الشعب العربي والسوري الذي هو في حالة عداء معها، وتكسب أيضاً على الصعيد الدولي.

ويشدّد المدلل على أن ثمة أهدافا أخرى لإسرائيل من خلال معالجتها لهؤلاء الجرحى، تتمثل في حصولها على بعض المعلومات منهم، والتي قد تبدو عادية وطبيعية، لكنها في الحقيقة تخدمها بشكل كبير في ما يتعلق بالبعد السياسي الذي يمكن أن تحققه من وراء ذلك.

ويوضح المدلل أن المعلومات تتضمن الحديث عن مواقع تمركز القوات السورية، وحجم الضرر الذي تتعرض له، ونوعية الأسلحة التي تمتلكها المعارضة، وربما تقنيات القتال والتوزيع الجغرافي لهذه العناصر.

ويضيف المدلل: "كل هذه المعلومات يمكن الحصول عليها من خلال هؤلاء الجرحى الذين شاركوا في القتال وهي تعتبر مكسبا بالنسبة لإسرائيل".

في المحصلة، فإن ما يقوم به الإسرائيليون من معالجة للجرحى السوريين، صحيح أن له بُعدا إنسانيا، لكنه ربما يأتي في إطار مساعي إسرائيل وجهاز مخابراتها، في الحصول على معلومات من هؤلاء الجرحى، حتى لو وصل الأمر إلى ابتزازهم من خلال أسلوب "العلاج مقابل التخابر" الذي تنتهجه إسرائيل مع المرضى الفلسطينيين خصوصاً في قطاع غزة الذين يتوجهون إلى العلاج في مستشفيات الأراضي المحتلة.

* كانت "النشرة" قد ركزّت في تقرير سابق علىابتزاز إسرائيل للمرضى الفلسطينيين من قطاع غزة على معبر بيت حانون-إيرز.