... وعلى وقْع التفجيرات... ألَّفوها، جامعة الأضداد، وكان الذي يفرّق ما بينهم لا يجمعه إلاّ الله... «إذْ كنْتُمْ أعْداءً فألَّفَ بين قلوبكُمْ فأصْبَحْتُمْ بنِعْمتهِ إِخواناً...» (سورة آل عمران 103)

ألَّفوها... مثلما ألَّف الشاعر الإنكليزي الأعمى جون ملتون (Milton) ملحمته «الفردوس المفقود»، وقد أَمْلاها على زوجته وإِبْنَتيه... ومثلما ألّف الشاعر اليوناني الأعمى هوميروس ملحمة الإلياذة التي تروي قصة حصار طروادة.

وحين تمّت معجزة التأليف قيل: إِنَّ الشيطان الأكبر هو الذي استحضر الملائكة الإيرانية والسعودية، فتحوّل الصراع على الحكومة من أجناس الملائكة الى أجناس الوزراء.

من أربعة وعشرين وزيراً ملوّناً، وأربعٍ وعشرين حقيبة صفراء حتى الإفلاس، ألّفوا حكومة «المصلحة الوطنية»... ولو أنصفوا المصلحة الوطنية لألّفوها حكومة فضفاضة وازِنةً من الأربع والأربعين حقيبة وزارية وسائر ذريّة علي بابا.

هذه الحكومة تصِفُها قريحةُ رئيسها بأنها قادرة على «تنظيم الإنتخابات الرئاسية وإعداد مشروع قانون جديد للإنتخابات، والتصدي للإرهاب وتأمين الإستقرار الأمني والوضع الإجتماعي وأزمة النازحين، وإحياء مناخات الحوار «وهذا كلُّه يا ابنة الثلاثة أشهر، يتمُّ كالخَـطْفِ بواسطة الفانوس السحري، أو على طريقة جراب الكردي في قصة من ألف ليلة وليلة «هات يا خادم الجراب... لبيك يا صاحب الجراب...».

أخطر ما يلفت في بيان رئيس الحكومة.... ان حكومته ستُحْيي «مناخات الحوار حول القضايا الخلافية برعاية فخامة الرئيس...»

ولكن عن أي فخامة رئيس يتحدث رئيس الحكومة لرعاية مناخات الحوار؟ وبإسم أي حكومة يتحدث ما دام استحقاق استقالة هذه الحكومة مرتبطاً حكماً باستحقاق استقالة فخامة الرئيس؟ اللَّهُمَّ إلاّ... إذا كان هناك تمديد رئاسي، أو رهان على الفراغ الرئاسي، وعلى الإستمرار بصلاحيات الرئيس عبر حكومة رئاسية في بعبدا، وليست هناك قوة مهيّأةٌ اليوم لإخراج الحكومة من القصر بواسطة سلاح الطيران.

الذي أَثار الريبة حيال الفراغ هو الإستقـتال العنيف على الحقائب والتأليف والذي لم يكن ليحصل لو أن عمر المولود الحكومي لن يتخطى عمر الإستحقاق الرئاسي.

والفراغ بحكومة رئاسية إذا تمّ... سيحدث أزمة دستورية وميثاقية متضخمة، حين تنتقل صلاحية الرئاسة المارونية الى حكومة تختلف عما آلت إليه رئاسة الحكومة الإنتقالية للعماد ميشال عون الماروني.

على أيّ حال: إنَّ حتمية إجراء الإستحقاق الرئاسي بموعده، وحدَهُ يؤمن هدف المصلحة الوطنية، الذي جاءت من أجله هذه الحكومة وحملت إسمه، وهو أيضاً ينقذ الحكومة من شرّ مغامرة الفراغ الرئاسي، وينقذ الحكومة من شر الحكومة، وفي حقائبها أخطر تفجير إرهابي هو النأي بالنفس عن بيان بعبدا وثلاثية حزب الله، والذي لا يتستطيع أحد أن ينأى بنفسه عن عبواته الناسفة.

ولأن الإستحقاق الرئاسي يؤمن مجموع هذه المصالح على الأقلّ فلا بدّ من أن نقول مع الشاعر:

وأَلذُّ من نيْلِ الوزارة أن ترى

يوماً يُريكَ نهايةَ الوزراءِ.